محمد بن عيسى الكنعان
لا أنكر سروري وابتهاجي عندما علمت بخبر الأمر الملكي الكريم (27 سبتمبر 2022م)، القاضي بتعيين معالي الأستاذ يوسف بن عبد الله البنيان وزيرًا للتعليم، كوني ممن عمل تحت إدارة معاليه عندما كان أحد قيادات شركة (سابك)، ثم رئيسها التنفيذي، وذلك بحكم المنهجية الإدارية المتميزة التي يعمل بها، ومنظومة القيم التي يتعامل بها، بما ينعكس إيجابًا على بيئة العمل، ومن ثم رفع مستوى الكفاية العملية والإنتاجية العالية، التي تصب في اتجاه تحقيق الرؤية الاستراتيجية التي يسعى إليها وفق المستهدفات الموضوعة. كما سعدت أكثر بحديث معالي الأستاذ البنيان عندما التقيته ضمن كوكبة من كتاب الرأي في لقاء ديوانية الجمعية السعودية لكتاب الرأي (رأي)، الذي عُقد مساء يوم الأربعاء 17 يناير 2024م بمقر الجمعية؛ حيث شرح معاليه توجهات الوزارة ومشروعاتها، وخططها الاستراتيجية، وعوامل التمكين في ذلك. ولأن وقت اللقاء الذي عج بالأسئلة وغص بالمدخلات من قبل الزملاء الكتاب لم يسعفنِ في مناقشة معاليه حول وضع المعلمة تحديدًا وإن كان البعض قد تناول وضع المعلم من حيث استعادة الهيبة، أو حديث معاليه عن تمكين المعلم لكي يستعيد موقعه الاجتماعي، إلا أني كنت آمل مناقشة وضع المعلمة بشكل أكثر تركيزًا بحكم محورية المرأة في الأسرة السعودية، فبتقديري أن صوت المعلمة لم يصل بعد بشكل واضح ومحدد، حتى خلال اللقاء على الرغم من وجود كاتبات ضمن الحضور؛ لذلك تحدثت على عجالة مع معاليه عن هذه الجزئية فرحب بتلقي ما لديّ بهذا الخصوص.
وعليه؛ كانت فكرة هذا المقال لعل الرسالة تصل إلى معالي وزير التعليم الذي نظن به خيرًا، وأنه يسعى فعلًا إلى تحقيق تطلعات القيادة الحكيمة بما يخص التعليم الذي يُشكل الركيزة الأساس في نهضة أية أمة أو دولة، ولعلي أبدأ مقالي بسؤال بسيط - قد يراه البعض ساذجًا أو سطحيًا - لأن إجابته معروفة سلفًا، لكنها الحقيقة تُخفي وراءها جبالًا من التوصيف والاستطراد عن واقع المعلمة الحقيقي، وسؤالي هو: ما دور المعلمة الفعلي في الحياة التعليمية؟ وقبل أن أناقش أبعاد إجابة هذا السؤال، أؤكد أنني لا أطرحه على خلفية ذلك الجدل العقيم، الذي دار بين إحدى المعلمات (المشهورات) التي كررت عبارتها عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي: «أنا معلمة ولست مربية», وبين منتقديها الذين ارتكزوا في نقدهم على اعتبار أن التعليم هو في أساسه تربية ومنظومة قيم. إنما دافع السؤال بالأساس هو واقع المعلمة فعلًا. فكل واحدٍ منا مُحاط بمعلمات في إطاره العائلي من مختلف المراحل الدراسية، ويسمع من هنا أو هناك حكايا عن معاناة المعلمات المتكررة كل عام بل كل فصل دراسي. وهي معاناة لا يعيشها المعلم أساسًا حتى لو وضعنا المعلم والمعلمة بالمعيار الطبيعي من حيث الإطار الوظيفي، لأننا سنجد أنهما متساويان من حيث الدور، ويتباينان من حيث الأداء، ولكنها يختلفان قطعًا من حيث تعدد المسؤوليات وحجمها. فالمعلم بالواقع هو أقرب للموظف في أية جهةٍ حكومية، ينتهي دوره مع نهاية عمله بالمدرسة، وفي البيت لا تتجاوز مهمته المتابعة والإشراف العام، وكما يقال (يحط رأسه وينام)، بينما المعلمة تنتهي واجباتها التعليمية والتربوية بالمدرسة صحيح، لكن تبدأ واجباتها العائلية والتزاماتها الاجتماعية الطويلة حتى وقت نومها. فهي مسؤولة عن البيت وعن كل فرد بالعائلة، وتعظم هذه المسؤولية وتكبر هذه المعاناة في شهر رمضان المبارك, فهي تخرج من باب المدرسة وتدخل باب المطبخ, لأنها مسؤولة عن عائلة ومتطلباتها, أين الرجل المعلم في هذا المشهد؟ غير موجود لأنه ببساطة ليس معنيًا بذلك. إذًا الدراسة في رمضان ليست إشكالية بالنسبة للطالب أو المعلم أو الفريق الإداري بالمدرسة، إنما الإشكالية للمعلمة؛ نظرًا لأنها ستعمل على مدار الساعة، وهي أشد بالنسبة للمعلمات اللائي يُدرّسن خارج المدن في القرى والمحافظات الصغيرة.
والحال كذلك في صور أخرى، مثل (المناوبات المدرسية), وهذه مربط فرس السؤال: ما دور المعلمة يا معالي الوزير؟ هل هي معلمة تُركز جهدها على العملية التعليمية؟ بحيث تحقق متطلبات استراتيجية الوزارة أم تضعون على كاهلها مهام أخرى، فتكون موظفة إدارية تحضر بالصباح الباكر قبل الجميع، وربما قبل شروق الشمس ولا يسابقها لفتح باب المدرسة إلا حارسها، أو مراقبة أمنية يبدأ عملها ظهرًا بعد خروج الجميع لتتحقق من خروج جميع الطالبات بالتفتيش الدوري على الفصول والساحات ودورات المياه - أعزكم الله - بحثًا عن طالبة متأخرة، أو مهملة، أو في حالة طارئة, والمصيبة عندما تتأخر إحدى الطالبات بسبب إهمال أهلها أو تأخرهم لعدم مبالاتهم، فلا تعود المعلمة لبيتها إلا وقت العصر, فلماذا لا يتم توظيف إداريات مختصات في المناوبات ومتابعة الطالبات، ويستفاد منهن أيضًا في دعم أعمال إدارة المدرسة خلال اليوم الدراسي. أليس هذا من تمكين المعلم والمعلمة الذي تحدث عنه معاليكم، وأكدت أنك تسعى إلى أن يستعيد المعلم موقعه الاجتماعي مثل المهندس والطبيب والمحامي وغيرهم، كيف يستعيد موقعه وهو أو هي تعمل بمهام لا شأن لها بالتعليم. قد يقول: قائل المعلم مثل المعلمة يناوب صباحًا وظهرًا, فأقول وهل التزاماته ومسؤولياته بعد المدرسة مثل المعلمة قطعًا لا. وإذا كان هذا حال المعلمات في (المناوبات) فهو لا يختلف عن حالهن في (الندب) أي تكليف المعلمة بالتدريس في مدرسة أخرى غير مدرستها لفترة معينة قد تكون فصلًا دراسيًا أو أكثر ثم تعود, هذا (الندب) الذي تلجأ إليه إدارات التعليم يكشف عن افتقارها إلى خطط منهجية في سد احتياجات المدارس التابعة لها. كما يكشف الخلل في التوظيف وتوزيع المعلمين والمعلمات على المدارس. لن أخوض في رد تبريرات من ابتكروا هذا الأسلوب أو الإجراء الإداري (العبقري) لسد الاحتياج في المدارس، أو من يطبقونه, لكن هو سؤال يا معالي الوزير: أليس هذا الإجراء يُسبب إرباكًا للأسرة؟ عندما تنقل معلمة إلى مدرسة أخرى لسد العجز أو الاحتياج دون الاعتبار لتبعات ذلك على أسرتها, ألم يؤكد معاليكم في لقاء الديوانية على تعزيز مشاركة الأسرة مع المدرسة؟ أنتم بذلك كمن يعزز المشاركة الأسرية من جهة، ومن جهةٍ أخرى يؤثر عليها سلبًا. أخيرًا أتمنى أن أعرف فعليًا دور المعلمة. هل هي معلمة حقًا أم خفارة مناوبة، أم مراقبة، أم طوارئ احتياج أم ماذا؟