رمضان جريدي العنزي
الجحود من أخطر الآفات وأكثرها إجحافاً بالقيم والموازين، والجحود يشبه العلقم والحنظل، إن أي مكان وزمان لا يخلو من الجاحدين الناكرين، تدفعهم رداءة الأخلاق إلى ممارسة هذا العبث المشين، والتنكر للمعروف والجميل، والاستخاف لما قدم لهم من خدمات ومواقف وتضحيات، إنها الانتهازية البغيضة، والنرجسية المقيتة، إن الرجل الحقيقي النبيل لا يمارس هذا الدور الكريه، بل يلفظه لفظاً، ويمجه مجاً، ولا يتشرنق حول ذاته ومصلحته، الرجل الواهن الضعيف هو من يقوم وحده بهذا الدور الرديء، ويمارس الوجل والدجل وانتفاخ الضفدع الكاذب. إن الكبر والجحود أودى بإبليس إلى اللعنة والطرد كونه بئيس الطبع والأخلاق والخلق، إن الجاحد لئيم بامتياز، وذو خسة واضحة وبائنة، والعرب تقول: (عادة الكرام الجود، وعادة اللئام الجحود)، وأسوأ الجحود نسيان ما قدمه الآخرون من فضائل ومواقف قصداً وعمداً وعنوة.
إن الجحود بكل أشكاله وألوانه، وأنواعه وتنوعاته، مثل الطحالب والأعشاب التي تنبت على حواف المستنقعات وفي الكهوف وحول الخرائب والتي لا شكل لها جميل ولا رائحة زكية، إنهم مثل الأرض الجدباء اليابسة الموحشة التي لا خير فيها، المفكر العربي الراحل محمود عباس العقاد تعب من هؤلاء الجاحدين حيث قال: (كنت أتعب في معاملتهم حتى عرفت ما أنتظره منهم، فأرحت نفسي من التعب واتّخذت لنفسي شعارًا معهم ألا تنتظر منهم كثيرًا، ولا تطمع منهم في كثير)، إن الجحود مثلبة دميمة وذميمة، ومن أبشع المواقف وأرداها، وله صفات رمادية تتنافى مع طبيعة الإنسان الوفي السوي، إن ديننا الإسلامي الحنيف يحثنا على شكر من يسدي إلينا الجميل والمعروف، حتى تسود المحبة والألفة بين الناس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن، فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور)، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ بِهِ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَد كَافَأْتُمُوهُ)، لكن الجاحدين الناكرين يجانبون هذا الحث الثمين، والتوجيه الكريم، لغايات رديئة في أنفسهم.
إن الوفاء وحفظ الجميل من أعلى درجات الأخلاق وأعظمها، عكس الجحود الذي يجلب النكيات والنكبات، والتحاسد والتباغض، وهو عمل أشد وقعاً من السيف والخنجر، تفعل له الأفاعيل، تقف بجانبه وتصطف، تدعمه بشكل لا متناهٍ، تأخذ بيده، تساعده، تقاسمه الخبز والماء، وتكون له أقرب وأوفى من أهله وإخوته، ثم يفر منك كما يفر الصحيح من الأجرب، ويختفي تماماً كما الملح في كوب ماء، دون سبب ولا مسبب، سوى انتهاء المصلحة والمنفعة والغاية والمبتغى.
إشارة: اللئيم لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمرداً.