د.عبدالله بن موسى الطاير
الإرهاب سلاح في ترسانة بعض الدول مثله مثل سلاح الدبابات، المشاة أو الصواريخ، وبعضها ترتقي به إلى مستوى الردع النووي تجاه أعدائها. أظن أن الدراسات التي أعقبت 11 سبتمبر 2001م تناولت أبعاداً كثيرة لظاهرة الإرهاب، وسلطت الضوء على جوانب على حساب الأخرى، لأن الصورة لم تكن من الوضوح بحيث تضع جميع المعطيات أمام الباحثين، أو حتى تمكنهم من طرح فرضيات منطقية تبتعد عن السائد في الرواية المسيطرة إزاء ذلك. لا خلاف أن التشدد الديني أو الأيديولوجي ينزلق إلى التطرف، فالتطرف العنيف ومن ثم تتشكل بؤر الإرهاب، إلا أن السياق التاريخي وتتبع العلاقة بين التطرف في التدين والأعمال الإرهابية يدفع بعامل ثالث قادر على تسريع التفاعل بين عدة عوامل منها السمات الشخصية للمتطرف وظروفه النفسية والاجتماعية، وشواغله الفردية، ومحتوى تدينه، وبواعث التطرف في سلوكه، لتصل به إلى قرار التجند في كيان إرهابي، والتبرع راضياً بقتل نفسه من أجل رسالة التنظيم, العامل الثالث هذا يتمثل في الحافز السياسي الذي يهيئ البيئة المواتية لصهر الخواص وتوجيهها لتحقيق المخرج النهائي من العمل والعمليات الإرهابية.
دور الدول في خلق ودعم الإرهابيين قضية معقدة ودقيقة، ولها سياق تاريخي وسياسي مهم، ومن الضروري تجنب المبالغة في التبسيط، بتحميل الدول هذا الوزر، ولكن لابد في أية مقاربة جادة للدراسة والتحليل من أخذ دور الدول في الحسبان، كعامل رئيس وليس مساعداً. من هذا المنطلق يمكن القول إن دولاً تعمل على تسليح وتمويل وتدريب وحتى إيواء الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة بتوظيف الإرهاب لزعزعة استقرار الدول المنافسة، أو إضعاف الحكومات الإقليمية، أو تعزيز الأجندات الأيديولوجية.
وبالإضافة إلى انخراط الدول المباشر في دعم الإرهابيين، قد تشن الدول صراعات من خلال جهات مسلحة من غير الدول كميليشيات الحروب بالوكالة عبر الشرق الأوسط، وداعش والقاعدة وغيرها، لتكون بمثابة منطقة عازلة من المساءلة الدولية المباشرة أو انتقام الطرف المستهدف، فالدول التي تستخدم هذا النوع من الأسلحة في وجه أعدائها ومنافسيها تخرج في صدر نشرات أخبار وسائل إعلامها الرسمية شاجبة ومنددة بالإرهاب الذي استهدف هذه الدول أو تلك.
وليس بعيداً عن الاستخدام المباشر للإرهاب تسامح بعض الدول مع النشاط الإرهابي داخل حدودها أو فشلها في اتخاذ التدابير المناسبة لتفكيك بنيتها التحتية، ربما بسبب التحالفات السياسية، أو التعاطف الأيديولوجي، أو ببساطة نقص الموارد والقدرات، وفي هذا الأخير تنشط الدول التي تحارب الإرهاب في دعم قدرات الدول ومساعدتها على مواجهة الإرهاب على أرضها. ولا ريب أن الدول الفاشلة أو المختلة وظيفياً تخلق أرضاً خصبة للأيديولوجيات المتطرفة وتجنيد الإرهابيين؛ فالفقر والفساد والأنظمة السياسية غير الفعالة يمكن أن تجعل الفئات السكانية الضعيفة عرضة للتطرف والاستغلال.
ولأن تدخل الدول لا يتوقف عند تشكيل ألوية إرهابية كما تشكل ألويتها العسكرية، فإن هناك أخرى تنخرط في التوظيف من خلال خطابات تحريضية تشوه مجموعات أو أيديولوجيات معينة، -مما يخلق مناخاً يفضي إلى تهافت المتأثرين على اعتناق الإرهاب- والإسهام في تأجيج الكراهية، وتبرير الأعمال الإرهابية بين مواطنيها أو داخل المجتمعات المستهدفة.
وكما أن بعض الدول تعمل على الترويج للعنف بشكل نشط، تقوم دول أخرى عن غير قصد بتهيئة الظروف الملائمة لذلك. وبين القصد في توظيف الدول الإرهاب في سياساتها الدفاعية والعدوانية، والتورط غير المتعمد لدول أخرى، يجدر بنا فهم الأسباب الكامنة وراء دعم الدول للإرهاب، وهو يتطلب النظر في عوامل مثل المظالم التاريخية، والمنافسات الجيوسياسية، والتطرف الديني أو الأيديولوجي، والضغوط السياسية المحلية، لكن أياً من تلك العوامل والمبررات لا يجب أن يؤدي إلى تفهم أعمالها في التحريض، والتوظيف والتمويل والرعاية للإرهاب والإرهابيين.
إن محاربة الإرهاب، الذي لم تتوقف فاعليته، وتوظيف دول له في منطقتنا، لن يؤتي ثماره ما دام أن المليشيات والتنظيمات الإرهابية تعمل لخدمة دول وسياسات وتكّون سواتر تحول دون مساءلة الدول المتورطة ومحاسبتها.