خالد بن حمد المالك
لا تقدم ولا تطور متى كان الفساد ينخر في جسم الدولة ومقدراتها، ولا عدالة بين المواطنين متى كان النافذون والمحسوبون عليهم والمتعاونون معهم يستغلون نفوذهم للإثراء على حساب الوطن والمواطن الصالح، ما جعل الطبقة الفاسدة تستولي على ما ليس لها به حق، لحرمان المواطن من حقه والوطن من استثمار إيراداته ومقومات تطوره بفعل من هانت عليه الأمانة، ورخصت عنده الثقة، ولم يقدِّر موقعه الوظيفي العالي في الحفاظ على ما اؤتمن عليه.
* *
اجتثاث الفساد المالي والإداري بكل هذا العزم والقوة في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وتعقب ومحاسبة كل من يتورط بفساد مهما كان مركزه وموقعه الوظيفي، كائناً من كان، إنما هو للمحافظة على ثروات الوطن، واستثمارها فيما فيه خير ونفع لكل مواطن، ولهذا أخذ الأولوية من الاهتمام لدى القيادة الرشيدة، ورُحب به من كافة المواطنين بالتأييد المطلق، لمنع ضعاف النفوس من الاستيلاء على مال ليس لهم فيه حق.
* *
هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) ترجمت بكل جدية واقتدار وإخلاص تنفيذ مهامها واختصاصاتها، دون أن تستثني من إجراءاتها أحداً مهما علا مركزه الوظيفي، بمتابعة وتعضيد ومساندة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتوجيهات سديدة من سموه للحرب ضد كل من غلب مصلحته الخاصة على المصلحة العامة، وتعدى على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق.
* *
على أن ثقة القيادة الرشيدة والمواطنين والمقيمين بأجهزة الدولة لن يزعزعها تقصير موظف أو فساده، فهذه حالات استثنائية لا يقدم عليها إلا من ليس عنده ولاء وإخلاص وحدب على مصلحة وطنه، وبالتعاون بين المواطنين والمقيمين وأجهزة الدولة المعنية بذلك وبينها وعلى رأسها (نزاهة) سوف يتم تطويق تفشي الفساد، ومنعه من الانتشار، بل والقضاء عليه، انطلاقاً من قول سديد لولي العهد رئيس مجلس الوزراء من أن أحداً لن ينجو من المحاسبة والمساءلة والعقاب ممن يثبت تورطه بالفساد.
* *
والفساد سواء بغسل الأموال، أو بالرشوة، أو بالإخلال في العمل الإداري والمسؤوليات المؤتمن عليها، بما في ذلك كل من تورط باستغلال نفوذه الوظيفي وضبط في حالة فساد، فهو من اختار الطريق الخطأ، بخيانة ما أوكل إليه من مسؤوليات، وبالتالي هو من أضر بنفسه، وتسبب في صدور أحكام بحقه، ليتأكد للجميع أن يد الدولة قوية وماضية في عدم التسامح أو التساهل في حربها ضد جرائم الفساد، حرصاً على مصلحة الوطن والمواطن.
* *
ومحاربة أوجه الفساد لا تقتصر عن ما يحدث في فترات قريبة، وإنما يتم التتبع والملاحقة بأثر رجعي، وتحديداً عن سنوات مضت، طالما ظهر أن إثراء أي شخص تحقق اعتماداً على قنوات ومسارات فساد، فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يترك المتورطون فيها أحراراً دون محاسبة، بينما في حوزتهم من المال العام ثروات هائلة، دون أن يكون لهم فيها حق أو جهد أو نتيجة عمل مشروع مستحق.
* *
لقد انخفضت الحالات، وبدأ الجميع يستشعر بالمسؤولية، والخوف من العقاب، ومن التجريم، وتالياً من أن تُمس سمعته بمثل ممارسته للفساد بالدليل القاطع، ومع كل بيان من (نزاهة) يبدأ الخوف لدى كل من سبق له أن تورط في فساد مالي عام من أن تصله يد العدالة، فحذار لأي شخص الاعتقاد بأنه يستطيع الآن وفي المستقبل أن يستولي على مال عام وأن يفلت من يد العدالة، بحيل اعتقاداً منه بقدرته على تضليل الجهات المعنية لمنعها من التعرف عليه والوصول إليه بتهم فساد.
* *
ولا بد من التذكير بأنه ضمن الحرص على حفظ حقوق المتهمين وحقوق الدولة، فإن القضاء والمحاكم الشرعية هي مصدر من يتم تبرئتهم أو إدانتهم، اعتماداً على المعلومات والوثائق والاعترافات الموثقة، بما لا حجة لمن يدان بالتنصل أو التهرب من تهم قطعية في صحتها، وبالتالي على من يدان أن يتقبل بما يصدر عن المحاكم الشرعية من أحكام، بعد أن أخذ المتهم حقه في الدفاع عن نفسه لدى محكمة الاستئناف والمحكمة العليا، على أن هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بحسب تصريح المصدر المسؤول سوف تمضي في تطبيق ما يقضي به النظام بحق المتجاوزين دون تهاون، بما في ذلك رصد وضبط كل من يتعدى على المال العام، أو يستغل الوظيفة لتحقيق مصالحه الشخصية، أو للإضرار بالمصلحة العامة.