ليلى أمين السيف
يقال إن السيء سيء من البداية، وإن الأصل غلاَّب، وإن ما اعتدته في صغرك لن يتركك في كبرك، وإننا لن نستطيع تغيير طباع الآخرين.. هذه حقيقة.. ولكننا نستطيع تغيير طباعنا، فالحياة تعلمنا كل يوم شيئًا جديدًا، والمرء يتقلب ما بين حزن وفرح وكربة وبهجة وتعاسة وسعادة، فلنترك السيئات ونكتسب الحسنات.
فالطباع عادات سلوكية من أفعال وأقوال.. وبعض البشر لديهم طباع جلفة تستمر معهم حتى مماتهم، ولا يعترف بجلافته وغلاظته..
{وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
وآخرون هينون سهلون لينون..
إننا ناضجون بما يكفي لنتغير بما يواكب ديننا ووضعنا وقيمنا ومبادئنا، والدنيا تغيرت -كما يقولون- وأمور كثيرة استجدت في حياتنا والذكي الذي يستطيع أن يجاري الزمن ويتغير ويغير من طباعه التي يعلم أنها سيئة، هذا إن علم، أو تلك الطباع التي لا يمكن للآخرين تقبلها..
بالتأكيد جميعنا لديه طباع لا يحبها الآخرون منا وقد تؤثر عليه وعلى محيطه الاجتماعي...
فمن عيوب بعضنا أن هناك من صوته عالٍ وهناك الذي يدقق على الصغيرة والكبيرة وآخرون مهووسو نظافة، والبعض نقاق وآخر شكاك، وهكذا من عيوب بالتأكيد سمعنا انتقادات عنها من المقربين لنا وأردنا بالفعل تغييرها، وكل ذلك من أجل أن نعزز ثقتنا بأنفسنا وبقدرتنا على التغيير للأفضل. لكن هناك من لا يعترف بنواقصه من الأساس ولا يقبل من الآخرين أي نقد له أو تصويب.
فذاك عاقل يعلم مثالبه ومعايبه فتراه دومًا مجتهدًا لتحسين ذاته وصون نفسه عن الطباع السيئة، وهو يعلمها فيحاول جاهدًا تهذيب نفسه حسبما يستطيع.. فيسعى بصبر حثيث وهمة عالية لتصويب أخطائه وتحسين أخلاقه، فهو شخص كريم الأخلاق هين الطباع لين طيّع. وأما هذا فهو إما مكابر ولا يرى نفسه إلا أنه كامل مكمل، فهذا ندعو له أن يلطف الله به ويرحمه..
فهو مؤذٍ لنفسه قبل الآخرين ونهايته مؤلمة حيث سيغدو وحيدًا كئيبًا..
وأما صاحبنا الذي يعلم بعيوبه ولكنه لا يريد أن يتغير ويحمل غيره وزر طباعه السيئة التي عليهم أن يتحملوها ويقبلوه كما هو.
فلماذا لا نبدأ بالتغيير الآن قبل أن نكبر ولا نشعر بأنفسنا إلا والحياة تجرفنا فيهجرنا الأحبة والأصحاب بسبب طباعنا السيئة وبدلاً من أن تجبرنا ظروف الحياة على التغيير، فلماذا لا نتدارك أنفسنا ونبدأ من الآن بملاحظة أنفسنا ونرى ما يزعج أحيتنا منا. لنحاول قدر الإمكان أن نصلح من ذواتنا قبل خراب مالطا.
وقد كان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك).
إن من الأمور التي تساعدنا على الإصلاح الذاتي هو مصاحبة الأشخاص الأسوياء الأتقياء العقلاء، فهم ينفعوننا في ديننا وآخرتنا وبهم تتطبع صفاتنا السامية، فلنرتقي في اختيار أصحابنا وجيراننا ومعارفنا، فنحن نأخذ من بعضنا بعضًا صفات وأساليب ورقيًا وأخلاقًا، فإما سمو ورفعة وإما انحطاط وخسة.
لنصلح أنفسنا أولاً لكي نتعايش بسلام وحب مع ذواتنا ثم مع من هم حولنا، فالطباع كالفيروسات تنتشر وتتكاثر عند المخالطة، وقد أحسن ابن المقفع حين قال:
«لا تستسلم لطبائع السوء فيك، فإنه ليس أحدٌ من الناس، إلا وفيه من كل طبيعة سوء غريزة، وإنما التفاضل بين الناس، في (مغالبة) طبائع السوء».