د. محمد بن أحمد غروي
يواجه العالم تحديًا حقيقيًّا في مجال الطاقة والجمع بين نفعيتها وحماية الكوكب.
فالطاقة النظيفة هي الحل لمواجهة تحديات الكون في تغير المناخ، فالطاقة المتجددة ذات دور حيوي في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة.
هناك سعي حثيث من دول آسيان للتحول النظيف للطاقة التي يزداد نهمها مع التقدم الاقتصادي الذي تشهده المنطقة، وبالمقابل هناك تحديات الطاقة النظيفة والمتجددة في آسيان.
فعلى سبيل المثال، أعلنت إندونيسيا عن خطتها لخفض الحصة المستهدفة من مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المحلي، إذ سيتراوح الهدف الجديد حوالي 19 % بحلول عام 2025، وهو المقترح الجديد لمجلس الطاقة الوطني، وكانت الحكومة قد حددت سابقا هدفًا بنسبة 23 % لنفس الفترة.
كما شهدت إندونيسيا وصول إنتاجها من الفحم، والذي يُعَد من أهم المواد الملوثة للكوكب والذي يقتل حوالي المليونين ونصف المليون إنسان سنويًّا في الأرخبيل، إلى أعلى مستوى له على الإطلاق حيث بلغ 775 مليون طن في العام الماضي.
وتم تصدير أكثر من 66 % منها وما تبقى منها للاستهلاك المحلي.
المثال السابق يوضح الخطوة الإندونيسية التي تُعَد جرس الإنذار للصعوبات والمعوقات التي يمكن أن تواجه جنوب شرق آسيا في التحول نحو الطاقة النظيفة، إذ تحتاج آسيان لما يقرب من 6 تريليونات دولار من الاستثمارات في الطاقة النظيفة حتى عام 2050 بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
وتعاني دول جنوب شرق آسيا من الاعتماد الكبير على الوقود الحيوي ومصادر الطاقة غير المتجددة بنسبة تصل إلى 75 % من إجمالي إمدادات الكهرباء في دول المنطقة العشر.
العالم ينظر إلى منطقة آسيان باعتبارها من أكثر المناطق تأثرًا بالتغير المناخي، الذي أثر بدوره اجتماعيًّا واقتصاديًّا واختبره الإقليم خلال العقدين الماضيين.
ولم يشفع انخفاض تكاليف الطاقة النظيفة والمتجددة في الوقت الحالي مقارنة بالعقود الماضية، فلم تزل أسعار مشروعات الطاقة الشمسية أو المتولدة من الرياح مرتفعة في جنوب شرق آسيا، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها عدم انتشار تقنيات الطاقة النظيفة والبطء في سلاسل الإمداد.
بالرغم من ذلك، تسابق دول آسيان الزمن بسعيها للتحول نحو الطاقة النظيفة، بل معظم دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، مثل فيتنام وتايلاند وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، التزمت إما بخفض صافي الانبعاثات إلى الصفر أو الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
كما يعتبر الاستثمار عاملًا رئيسيًّا في تحقيق أهداف تحول الطاقة في آسيان.
إذ تشير الدراسات في مجال الطاقة إلى أن تمويل مشاريع الطاقة لتخفيض الاعتماد على الكربون في جنوب شرق آسيا يتخذ ثلاثة أشكال تتمثل في المساعدة الإنمائية الرسمية الثنائية أو المتعددة الأطراف، أو التمويل العام الدولي لمكافحة تغير المناخ.
والثاني هو التمويل المناخي المحلي العام أو الخاص، والذي يستلزم الإنفاق الحكومي والمنتجات المالية مثل السندات والقروض الخضراء.
والثالث هو الاستثمار الخاص الذي يتكون من الاستثمار الأجنبي المباشر أو الاستثمار المحلي.
ووفقًا لبعض التقديرات، فقد تلقت آسيان ما قيمته 2.24 مليار دولار من المساعدات الإنمائية الرسمية بين عامي 2012 و2021 لمشاريع توليد الطاقة المتجددة.
وتقدر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة احتياجات الاستثمار في جنوب شرق آسيا بحوالي 6 تريليونات دولار حتى عام 2050، ما يجعل الطريق طويلًا لدول آسيان في تحقيق التحول الكامل نحو الطاقة النظيفة.
يشير تقرير غربي عن مستقبل الطاقة النظيفة في جنوب شرق آسيا إلى أن من بين التحديات المهمة التي تبرز في المنطقة تلك التي تتعلق بالحواجز الهيكلية والتنظيمية التي مكنت من استمرار استخدام الوقود الأحفوري، بما يجعله لا يزال يشكل أولوية على مصادر الطاقة المتجددة القائمة وتأمين مصادر الكهرباء المعتمدة على الوقود الأحفوري من خلال اتفاقيات شراء الطاقة غير المرنة بشكل عام بما يمنع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة حتى الآن.
كما أن التركيز القائم على الفحم كمصدر للطاقة، والمخاوف بشأن أمن الطاقة والشكوك المتعلقة بالعمل في ظل نموذج طاقة مختلف تمامًا ساهمت جميعها في بطء التقدم بشكل عام في إصلاح السياسات والتنظيمات المرتبطة بالتحول نحو الطاقة النظيفة بشكل كلي في المستقبل القريب.