عبدالوهاب الفايز
حينما نرى التطورات النوعية في منظومة البيئة في المملكة نتذكر حجم الإنجاز الذي يسعدنا ويفرحنا، وقبل أسبوعين صدر تقرير يعرض نتائج المسح السنوي لشركة إيدلمان حيث وضع مؤشر الثقة في الحكومة السعودية من بين الأعلى عالمياً ضمن البلدان الـ28 محل الدراسة. وتشمل أبرز النتائج الأخرى التي توصّل إليها مؤشر إيدلمان للثقة 2022 في المملكة زيادة الثقة في المؤسسات بين عامي 2020 و2022 وقد حصد القطاع الحكومي نسبة 82 % كأعلى مؤشر ثقة بين المؤسسات.
وأجزم أن ثقة الناس في أداء الحكومة وجهودها لحماية البيئة والحياة الفطرية في قائمة مؤشرات الثقة بجهود الحكومة، فكل ما تتخذه من إجراءات للحد من التدهور البيئي والمحافظة على التنوع الأحيائي يسجل قفزات في الإنجاز. منذ العام 1989 تم إطلاق 7 آلاف كائن فطري، وأكثر من نصف هذا الرقم تم في الأربع سنوات الماضية، وفي منظومة الحياة الفطرية تم تحديد 36 محمية طبيعية ومنتزهاً طبيعياً، أي ارتفعت المناطق المحمية من 4 % إلى 18 % وسوف تصل نسبة المناطق المحمية الـ30 % من مساحة المملكة في 2030.
وتحرك الحكومة السريع والحاسم لمعالجة الوضع البيئي المتدهور في العقود الماضية نحمد الله أنه يأخذنا إلى مرحلة نوعية جديدة للشراكة بين الحكومة والمجتمع للحفاظ على البيئة. الآن نرى المجتمع الدولي يتحرك بشكل متسارع لمعالجة أوضاع البيئة والمناخ للحد من آثارها المدمرة على البشرية جميعاً.
تقرير المخاطر العالمية الذي صدر مطلع يناير عن منتدى دافوس السنوي رتب المخاطر العالمية حسب مستويات الخطورة على مديين قصير سنتين، وطويل المدى عشر سنوات. جاءت (أحداث الطقس المتطرفة) في المركز الثاني للمخاطر في العامين القادمين، وجاءت في المستوى الأول للمخاطر على العالم في العشر سنوات القادمة.
الثقة بالبيئة والفرح بالنتائج الإيجابية نلمسها من (صور قبل وبعد) التي يتداولها الناس للمحميات الطبيعية والبيئة المحيطة بها، فالناس تبدي فرحها حين ترى الأثر البيئي الواضح لحماية الطبيعة. وكذلك الثقة بما تتخذه الحكومة من جهود نلمسها من سرعة تجاوب الناس مع الذين يعتدون على الحيوانات البرية، ففي أكثر من حالة قام الغيورون على البيئة بالإبلاغ عن المخربين ومساعدة السلطات الأمنية في القبض عليهم.
وهذه الجهود الكبيرة في منظومة الحياة الفطرية لمسنا جانباً منها في الزيارة الميدانية لمركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية والتي نظمها المركز الوطني لحماية الحياة الفطرية يوم السبت الماضي لأعضاء جمعية كتاب الرأي وعدد من الإعلاميين ضمن برنامج اللقاءات الدورية المعرفية. وفي هذا المركز توجد 200 حظيرة مصممة لإعادة إنتاج وإكثار الحيوانات المنقرضة بطرق علمية تراعي تنشئتها بطريقة تعدها إلى رحلة العودة إلى مواطنها الأصلية في البرية. وهناك مراكز أخرى أكثر تطوراً.
الرئيس التنفيذي للمركز الدكتور محمد بن بهاء الدين قربان، في حلقة نقاش مع الضيوف، أبرز المبادرات الأساسية التي يعمل عليها المركز لتنمية الحياة الفطرية وحماية النظم البيئية وتعزيز التنوع الأحيائي في البيئات البرية والبحرية. أيضاً تحدث عن الكائنات المهددة بالانقراض.
من الأمور الأساسية التي أشار إليها الدكتور قربان أن هذا الجهد الكبير المبذول لترتيب أوضاع حماية وتنمية الحياة الفطرية في السنوات الماضية تطلب جهوداً علمية ضرورية. في مجال الحياة البحرية أشار إلى أن المركز نظم برنامج (رحلة استكشاف البحر الأحمر) لرصد كل ما هو موجود في البيئة البحرية، وهذا ضروري حتى يضع خط الأساس العلمي لجهود التنمية والحماية للحياة الفطرية. وذكر أن المركز يعمل على إنشاء قاعدة بيانات لأنواع الكائنات الفطرية والعينات المخبرية في المملكة، في إطار مشروع رصد أشكال التنوع الأحيائي الفقاري واللافقاري في المملكة لتحديد خط الأساس، وضمن هذا المشروع يجري حصر لجميع أنواع النظم البيئية والكائنات الفطرية البرية في المملكة.
وهذا الجهد العلمي الواسع سوف يساعد الباحثين والدارسين للتعمق في فهم الحياة الفطرية في المملكة ويساعد في دعم اتخاذ القرارات الوطنية المتعلقة في البيئة. أيضاً يساعد في دراسات الأثر البيئي حين تقييم المشاريع في قطاع الصناعة والتعدين.
ولم يمر اللقاء دون معرفة الأمور الجديدة في الملف الساخن، أي ملف قرود البابون. في هذا السياق أشار إلى تقدم كبير في معالجة تكاثر البابون. وذكر أن المركز حدد بشكل منهجي علمي خط الأساس للمعالجة، حيث تم تحديد أكثر من 500 بؤرة لتواجدها، ثم وضع خطة المعالجة الأولية، وفعلاً تم التعامل مع أكثر من 30 ألف كائن في وقت قصير، وجهود المعالجة مازالت قائمة. وأشار إلى أن المركز أقام في المقر الرئيسي مشروعاً للرصد والمتابعة الميدانية ولديه كاميرات ترصد كل مناطق تواجدها وتنسق مع الفرق الفنية الميدانية لضمان استدامة المعالجة.
وكل هذه الجهود يتطلع أن تساعد على الحد من مخاطرها، وتعدل من سلوكها. من تجربة خبراء المركز، لاحظوا أنه طرأ الكثير من التغير على سلوكيات قرود البابون نتيجة عيشها في المدن والقرى واعتمادها على التغذية البشرية المباشرة وغير المباشرة مما يستدعي طرق معالجة معقدة. لذا جهود الأهالي والزوار ضرورية لإيقاف الإطعام. في هذا السياق وقف الدكتور قربان مطولاً عند جهود الأهالي الذين بادروا إلى تغطية النفايات وإيقاف إطعام القرود، وثمّن هذا الجهد من الأهالي الذين استجابوا لتعليمات الإمارة والبلديات بخصوص التخلص من النفايات.
ومن الأمور التي طرحها الحضور موضوع الاستثمار في القطاع بالذات استثمار المحميات مثل إقامة متاحف ومعارض للحياة الفطرية في المحميات، وهنا أشار الدكتور قربان إلى أن هذا التوجه تجري دراسته لأجل وضعه في الإطار السليم الذي يعظم القيمة المضافة من الإنفاق الحكومي الواسع على منظومة البيئة. وأشار إلى أن المركز يسعى للشراكة مع القطاع الخاص لاستثمار حدائق الحيوانات وغيرها.
الشراكة مع المجتمعات المحلية والجمعيات الأهلية الخيرية ذكر انها تائي في أولويات إستراتيجية المركز لأنها عنصر ضروري يضمن على المدى البعيد نجاح جهود الحماية والتنمية للحياة الفطرية ويقلل من تكلفتها.
فعلاً، لن يحمي البيئة أفضل من الناس التي تخاف الله، والتي لديها الحب والشغف بالطبيعة، والتي تعرف خطورة تدمير البيئة والكائنات الحية التي خلقها الله لتقوم بدورها لعمارة الأرض. الله سبحانه وتعالى يقول: {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.