ميسون أبو بكر
حين ابتلع الجهاز المحمول قصيدتي التي كتبتها في تطبيق الملاحظات الذي اعتدت كتابة المقالات وتدوين الملاحظات عبره؛ لم أترك وسيلة وقتها لاستعادة القصيدة ولم أتورع في الاستعانة بكل من ظننت أنه يمكنه مساعدتي، ولما شعرت أنني فقدت عضواً من جسدي ولا سبيل لاستعادته كما أن ذاكرتي التي تخونني دائماً لم تحفظ أكثر من مقدمة القصيدة.
تذكرت القصة التي أخبرني إياها د. فهد العرابي الحارثي عن قصة اللوحة المعلقة في منزله الذي صورنا فيه حلقة من برنامج «من سوانح الذكريات» اللوحة للفنان السعودي خالد الأمير، الذي يشبه حالي حاله وقد التهم الجوال قصيدتي ومزّق شقيقه لوحته حين تركها وذهب يقضي بعض حوائجه.
ولما كانت قصيدتي في الرياض معشوقة ساكنيها وحبيبة زوارها وملهمة الشعراء فإنني كتبتها بعد غياب أشهر عنها وكنت في شوق للياليها المضيئة التي تتصل مع نهارها فلا تهدأ المدينة ليل نهار، وقد ركضت إلى نافذتي في الطابق الستين فأزلت ستائر الساتان لأرى وجه الرياض من علوٍّ شاهق كان كافياً أن يضعها في لوحة بانورامية تكشف معظم أجزائها.
«خمار من الساتان يحجب وجهها»
كانت مقدمة القصيدة التي بكيت كما الأطفال لما ضاعت في الجهاز الذي بقيت على عداء معه وشعرت ببغض شديد تجاهه، وكنت كلما مسكته أعدت البحث في تطبيق الملاحظات وفي كل النوافذ الأخرى المتاحة.
الفنان لا يستطيع أن يرسم اللوحة مرتين كما قال مضيفي د. الحارثي كذلك الفنان خالد الأمير الذي أخبر ضيفي بقصة لوحته التي رآها في أحد المعارض بالقاهرة الفنان السعودي القدير عبدالحليم الرضوي وفيها قصة لوحة الرسام، الذي كانت اللوحة الأصلية نتيجة مخاض تجربة مهمة له فرسم لوحة تحاكي ألمه بفقد لوحته وذلك برسم نعش له داخل اللوحة الممزقة، وقد طلب الدكتور فهد من الرضوي التوسط له بشراء اللوحة المعبرة ففعل لتزين بيته مع لوحات أخرى لفنانين سعوديين تركوا بصماتهم.
وإذ إننا نبقى مرهونين للزمن الجميل ولأننا لا نستطيع العبور للمستقبل بدون إرث وتاريخ وماضٍ مشرّف لذلك أطلب من مدير القناة الثقافية الجديدة الواعدة الأستاذ مالك الروقي إعادة عرض بعض الحلقات التي قد ينتقي منها الجيد والتي سبق وعرضتها القناة الثقافية التي انطلقت في 2010 وسجلت مع مثقفين عظماء سواء من رحل منهم ومن بقي بيننا نستنير بفكره، وبخاصة أن هذا الوطن في رؤيته وهيئاته وفيّ وحريص على تكريم وتقدير المبدعين وعدم تجاهلهم بل إنه أحرصها على الأخوة العرب كما على المبدعين السعوديين، ومن البرامج التي أقترحها «من سوانح الذكريات» وبرامج أخرى استضاف التلفزيون السعودي أشخاصاً لهم مكانة وحضور كمعالي د. غازي القصيبي، ومعالي د. عبدالله العثيمين، والأستاذ تركي السديري، وعبدالجبار اليحيى، وآخرون.
تحية الثقافة التي تظل فضاءً ندور في مجرتها ونقتفي نجومها وكواكبها وشمسها التي هي مركز الكون وسرّ الحياة.