د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
شاع كثيرًا عند المحدثين من مثقفين ومن أدباء ومن لغويين متخصصين استعمالهم اسم التفضيل (الأفعل) في موضع (الفعلى)، مثل: (الأسهم السعودية الأكثر تداولًا)، و(هذه الدولة الأجمل في العالم!)،و(وهي القراءة الأشدّ ارتباطًا). وهذا من الأخطاء الشائعة في لغة المعاصرين، فهم ينعتون المؤنث بمذكر، فـ(الأكثر، والأجمل والأشدّ) على وزن (الأَفْعَل)، مذكر ينبغي أن يكون مؤنثها على وزن (الْفُعْلَى)، ولعل الذي أجاء الناس إلى وضع الأفْعَل موضع الفُعْلى أنّهم لم يسمعوا من ألفاظ الفُعْلى سوى قليل، وأنّهم قد لا يسيغون صياغة بعض الصفات التفضيلية على هذا البناء؛ ومع ذلك فقد اعتادوا هذا الاستعمال حتى استعملوه مع ما جاء له مقابل على (الفعلى)؛ إذ ربما وجدتهم قالوا نحو (المدارس الأعلى أداءً)، فكان يسعهم القول (المدارس العليا أداء).
ويمكن الاحتيال لما لم يسمع له مؤنث أو ما لا يساغ بتغيير التركيب فيقال: (أكثر الأسهم السعودية تداولًا)، و(هذه أجمل دولة في العالم!)، و(وهي أشدّ قراءة ارتباطًا).
أما تصحيح أستاذنا د. أحمد مختار عمر لمثل هذا فمتوقف فيه عندي أيضًا(1). وكان قال قبل «اشترط معظم النحاة في أفعل التفضيل المحلَّى بـ(أل) المطابقة لما قبله في التذكير والتأنيث، والإفراد والتثنية والجمع، ويمكن تصحيح الاستعمال المرفوض اعتمادًا على إجازة مجمع اللغة المصري- في دوراته: السادسة والخمسين، والرابعة والستين، والخامسة والستين- الإفراد والتذكير في استعمال أفعل التفضيل المحلَّى بـ(أل)، وذلك أخذًا برأي ابن مالك وابن يعيش وغيرهما. ويرجِّح عدم المطابقة ما انتهى إليه بعض الباحثين من عدم إلف (فُعْلى) للتفضيل تأنيثًا لأفعل فيما لم يُسْمَع(2)، مما كان داعيًا لظهور تعبيرات حديثة خرجت عن المطابقة، مثل: (القضية الأخطر)، و(الحياة الأفضل)، و(الوجبة الأطيب) .. إلخ. ويمكن اعتبار «أل» موصولة في هذه التعبيرات ويكون التقدير في هذا المثال المرفوض: الغاية التي هي أبعد»(3).
وقوله رحمه الله «وذلك أخذًا برأي ابن مالك وابن يعيش وغيرهما» ليس دقيقًا، إذ ابن يعيش قال «فأمّا إذا أدخلت الألف واللام، نحو: «زيدٌ الأفضل»، خرج عن أن يكون بمعنى الفعل، وصار بمعنى الفاعل، واستغنى عن «مِنْ» والإضافةِ، وعُلم أنّه قد بان بالفضل، فحينئذ يؤنث إذا أريد المؤنّث، ويثنّى، ويجمع، فتقول: «زيد الأفضل»، و»الزيدان الأفضلان»، و»الزيدون الأفضلون، والأفاضلُ»، و»هندٌ الفُضْلَى»، و»الهندان الفُضْلَيان»، و»الهندات الفُضْلَيات»، و»الفُضَلُ» إن شئت تثني، وتجمع، وتؤنّث، كما تفعل بالفاعل، لأنه في معناه»(4).
وأما مذهب ابن مالك فبيّنه ابن الناظم في شرحه الخلاصة، قال «إذا كان أفعل التفضيل مجردًا لزمه التذكير والإفراد بكل حال، كقولك: هو أفضل، وهي أفضل، وهما أفضل، وهم أفضل، وهن أفضل، وإذا كان معرفًا بالألف واللام لزمه مطابقة ما هو له في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، وهو المراد بقوله: وتلو (أل) طبق. تقول: هو الأفضل، وهي الفضلى، وهما الأفضلان، وهم الأفضلون، هن الفضليات، أو الفُضَل»(5).
(1)معجم الصواب اللغوي لأحمد مختار عمر (ط1، عالم الكتب/ القاهرة، 2008م، 2: 955.
(2)يقصد نفسه إذ قال في كتابه العربية الصحيحة (ط2، عالم الكتب/ القاهرة، 1998م. ص 140: «ولعل هذا المأزق، مأزق المطابقة في التأنيث، وعدم إلف (فُعْلى) للتفضيل تأنيثًا لأفعل كان السبب في ظهور تعبيرات حديثة خرجت على مبدأ المطابقة واستخدمت (الأفعل) وصفًا للمؤنث، حتى فيما سمع فيه التأنيث، ومن ذلك :القضية الأخطر. الدولة الأولى بالرعاية. الوجبة الأطيب».
(3) أحمد مختار عمر، معجم الصواب اللغوي، 1/ 126.
(4) ابن يعيش، شرح المفصل، 4/ 129.
(5) شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك (ص: 344)