أحمد بن عبدالرحمن السبيهين
فتحت مجلّة «الهلال» الثقافية، في سنة 1996 ملفّاً بعنوان «ماذا حدث للمصريين؟»، طلبت فيه من كُتّابها أن يُدلي كلّ منهم بدلوه في الإجابة عن هذا السؤال، من أيّ زاوية يشاء.
إذ قدّرت المجلّة أنه على أعتاب القرن الواحد والعشرين، يجدر التأمّل فيما طرأ على الحياة الاجتماعية من تغيّرات، وأن تتمّ المحاسبة على الأخطاء، لبدء صفحة جديدة في القرن الجديد، لتحقيق ما تم الفشل من تحقيقه.
وقد ساهم الدكتور جلال أمين في النقاش، وكتب مقالات تتحدّث عن التغيّرات التي حدثت في المجتمع والاقتصاد خلال النصف الأخير من القرن العشرين؛ وبالتحديد من سنة 1945 وحتى سنة 1995. ثم أنه جمع هذه المقالات، وأصدرها في كتاب بعنوان: «ماذا حدث للمصريين؟» في سنة 1998.
وقد وصف الكتاب التغيّرات التي طرأت على جوانب عديدة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مصر، وربط بينها وبين ظاهرة الحراك السريع للمجتمع؛ أي تغيّر التكوين الطبقي للمجتمع، وصعود شرائح اجتماعية كانت في أسفل السلّم الاجتماعي، وهبوط شرائح كانت في أعلى السلّم.
وقد قرأ الكتاب المذكور، الأستاذ غسّان حامد عمر، فوجد تشابهاً كبيراً في فصول الكتاب من حياة المصريين، مع الحياة في المملكة العربية السعودية، من نواحٍ كثيرة، فأصدر كتاباً بعنوان «ماذا حدث للسعوديين» في سنة 2015.
ورصد الكتاب مراحل مختلفة طرأت على المجتمع السعودي خلال ثلاثة عقود، شرحها المؤلّف ضمن خطّ زمني يمتدّ لفترة ثلاثة عقود، تبدأ من سنة 1979 وحتى سنة 2011.
ولن يُلاحظ هذه المراحل، حسب رأي المؤلّف، إلا ثلاثة: إنسان استيقظ من غيبوبة طويلة، أو زائر غاب عن البلاد لعقدين، أو امرؤ لديه بصيرة نافذة.
لن نتطرّق هنا لهذين الكتابين المتميّزين، من الناحية النقدية، كما أننا لن نتمكّن من المقارنة أو ذكر أوجه التشابه في المجتمعين العربيين الشقيقين، ولو أردنا الإحاطة بكل هذه التفاصيل لما اتّسع لها المجال، ولضاقت عنها مساحة هذا المقال.
لكننا سنعرض بعض اللمحات الطريفة، والاقتباسات الخفيفة، التي ستعطي فكرة واضحة عن طبيعة ومحتوى الكتابين:
«ماذا حدث للمصريين؟»:
- «لم يعد المنتمي إلى الطبقة الوسطى يعتبر الانتساب إلى الطبقة العُليا في حُكم المستحيل، كما كان قبل الثورة في عام 1952، عندما كان الانتساب إلى هذه الطبقة يتطلّب، ليس فقط قدراً معيّناً من الثروة، وحجماً معيّناً من المُلكية الزراعية، بل وانتساباً إلى عائلة ذات حسبٍ ونسّب.
أما الآن فقد أصبح الدخل والثروة، أيّاً كان مصدرهما، كافيَين للانتساب إلى أعلى شرائح المجتمع مكانةً، وقُل مثل ذلك على الصعود من الطبقة الدّنيا إلى الوسطى؛ إذ يكفي لذلك قضاء بضع سنوات للعمل في الخارج، أو عقد صفقة تجارية ناجحة».
- «كان المسؤول الكبير في عهد ما قبل الثروة، يخجل أن يُلقي خطاباً بلُغة عربية ركيكة، بينما قد نجد هذا المسؤول على شاشة التلفزيون اليوم، يُلقي بالكلمة الإنجليزية وسط حديثه، ثم يتظاهر بصعوبة العثور على بديلٍ لها بالعربية».
- «تلقّت أُمّي منذ صغرها، كما تلقّت الآلاف المؤلّفة من النساء المصريات من جيلها، الدرس الخالد في أن الزوجة يجب أن تقصّ جناحيّ زوجها لكيلا يطير، وأن أفضل طريقة لإتمام هذا القصّ هو كثرة الإنجاب.. وكانت النتيجة أن أبي الذي كان يُخطّط أن يكون له ولدان، انتهى بأن يكون لديه ثمانية».
- كان مجمع اللّغة العربية، الذي كان يضمّ أئمّة الأدب والعِلم والفكر في مصر، يتمتّع بالاحترام الشديد والمهابة التي كان جديراً بها. كان يرأسه أحمد لطفي السيد ثم طه حسين، وكان الحصول على عضويّة هذا المجمع شرفاً لا يُدانيه شرف، وتتويجاً لحياة الأديب أو العالِم أو المُفكّر، لا يطمع بعده في المزيد من المجد.
أما الآن، فإن أعضاء المجمع لا يكاد يعرفهم أحد، وقد انقضى على أيّ حال، ذلك العصر الذي كُنّا نسمع فيه من حينٍ لآخر عن لفظٍ جديدٍ صكّه المجمع، كمُقابِلٍ للّفظ الأجنبي الذي بدأ استخدامه بكثرة. فلم يعُد المجمع، فما يبدو، قادراً على مُلاحقة هذا التيّار الكاسح، لغزو المصطلحات والتعبيرات الأجنبية لحياتنا».
«ماذا حدث للسعوديين؟»:
- «مجتمعات الثّقة: هي المجتمعات التي تنتشر فيها أخلاقياتٌ كالصدق، والأمانة، وإتقان العمل، والالتزام بالمواعيد، إضافة لأداء الحقوق. والحاصل اليوم في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط، من ضعف الثقة، ابتداءً من العامل البسيط وربّ العمل، ومروراً بالتاجر والمشتري؛ يعود إلى ضعف الوازع الديني والأخلاقي والثقة بالنظام العام، وهذا يؤدّي إلى وجود مزيد من العقبات والعراقيل، ومزيد من التكاليف وإهدار الأوقات.
باختصار، لا نهضة ولا تقدّم، دون أخلاقيات مجتمع الثّقة».
- «الحقيقة أن الجيل الجديد من شبابنا، بات يطرح الكثير من الأسئلة المهمّة ليل نهار، والأُمم العظيمة نطرح أسئلة كلّ يوم.
فهُم يسألون: ما هو الحل ولا لِما يُطرح من مُعضلات تواجه الوطن؟ وما دورنا في المستقبل؟
إن أول خطوة على الطريق الصحيح، هي وجود مشروع نهضوي ضخم، في صورة حُلم، ونُسمّيه مثلاً (المملكة عام 2030)؛ نتصوّر فيه الوطن، وما سيكون عليه الوضع الاقتصادي في ذلك الحين مثلاً، وحتماً سنتطرّق لملفّات مهمّة جدّاً، كالمياه والطاقة وغيرها.
إن أبرز عقبة واجهتنا في العقدين الماضيين؛ توقّفنا عن الحُلم، وانشغالنا بثقافة (مكافحة الحرائق)».
ملاحظة: نُشرت الفقرة الأخيرة في مقال عام 2013، قبل إعلان رؤية المملكة 2030 في عام 2016.