خالد بن حمد المالك
بدأ الحديث عن دولة للفلسطينيين يتصدر تصريحات القيادات العليا في واشنطن ولندن، مع إمعان في الرفض لدى الكيان الإسرائيلي المحتل، وهذا التغيّر في الموقف لدى أمريكا وبريطانيا يُظهر مدى اليأس لدى الدولتين من قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية والسلام معاً، بل إن هناك من يرى في سياسة إسرائيل ما يُعرّضها للزوال مع تجمّد التفكير الإسرائيلي عند رفض خيار الدولتين، والاستمرار في قتل الفلسطينيين وتهجيرهم والتوسع في زيادة المستوطنات في أراضيهم.
* *
وإذا علمنا أن بريطانيا هي من شرّعت لقيام الدولة اليهودية على الأراضي الفلسطينية تحقيقاً لوعد بلفور بدولة لهم في فلسطين، وهي من قامت بدعمهم بالسلاح لمقاومة ردود الفعل الفلسطينية والعربية الغاضبة في تلك الحقبة وإلى اليوم، وأدركنا أيضاً بأن من استلم مهمة تقوية هذا الكيان من بريطانيا هي الولايات المتحدة الأمريكية بالسلاح، واستخدام النفوذ في مجلس الأمن، والتعاطي مع السياسة الإسرائيلية بكل ما فيها من تجاوزات وممارسات بحق الفلسطينيين، أدركنا أن واشنطن ولندن بعد عقود من الصراع بسبب حرمان الفلسطينيين من دولة لهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية لم يعد لدى الدولتين غير أن تعلنا عن قناعتيهما بقيام دولة فلسطينية.
* *
هذا يعني أن مزيداً من الدول الغربية سوف يتوالى اعترافها بالدولة الفلسطينية، خاصة وأن وزير خارجية بريطانيا أعلن صراحة بأن حكومته تدرس الآن الإعلان عن قيام دولة للفلسطينيين، وأن وزير خارجية أمريكا تحدث هو الآخر عن دولة للفلسطينيين، وأضاف أن أمريكا تدرس الآن أربعة خيارات لقيام الدولة الفلسطينية، مركزاً على أهمية ضمان أمن إسرائيل، بما يعني أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح حسب التسريبات عن الخيارات الأمريكية.
* *
واشنطن لا تتحدث عن أمن الدولة الفلسطينية، خاصة إذا ما كانت دولة منزوعة السلاح، لكنها لإرضاء الإسرائيليين، وحثهم على القبول بخيار الدولتين، مع تعنّت حكومة العدو المتطرفة، لابد وأن تُرضي إسرائيل بضمان أمنها وسط تخوّف تل أبيب من أن تهدد الدولة الفلسطينية مع الوقت بقاء الدولة الإسرائيلية التي زُرعت في أراضٍ فلسطينية، وأخذت في التوسع منذ حرب عام 1967م إلى أن أصبحت كل فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، رافضة قرار التقسيم عام 1948م، واتفاق أوسلو، والمبادرة العربية، وكل مشاريع التسويات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
* *
تصريحات أمريكا وبريطانيا، وإن كانا الأكثر تأثيراً في العقلية الإسرائيلية لا تكفي، فربما أنها صدرت أمام مناخ يرى فيه الجميع أن إسرائيل في حالة هزيمة لم يسبق أن حدث مثلها منذ قيام إسرائيل، وأن امتصاص هذا الزخم من التأييد العالمي للفلسطينيين، وإدانة إسرائيل بممارستها حرب إبادة في قطاع غزة لن يتحقق إلا بالإعلان الواضح الصريح من واشنطن ولندن، ولن يكون مستغرباً إذا ما تم التسويف والمماطلة وخلق ذرائع لإجهاض ما يطالب به الفلسطينيون من حقوق مشروعة، وهو ما حدث أكثر من مرة أهمها اتفاق أوسلو، ومباركة واشنطن في بيتها الأبيض، وبحضور الرئيس الأمريكي، بما تم الاتفاق عليه، ثم إذا بها تتخلى عن ضماناتها، ويُقتل عرفات وقبله رابين اللذين تبنيا الاتفاق، من قبل المتطرفين الإسرائيليين.
* *
فحذارِ من أن تكون التصريحات الإيجابية من أكبر دولتين تدعمان إسرائيل، إنما هي للتخدير والوعود التي لن تتحقق، ما لم يتم إقرارها دفعة واحدة، وليس على مراحل، وفي فترة زمنية قصيرة، تلي وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وبدء المباحثات الجدية بإشراف الأمم المتحدة وعدد من الدول، وأن لا يقتصر هذا التحوّل بالرعاية والحضور على الولايات المتحدة الأمريكية، كونها طرفاً غير نزيه وغير عادل، وتقف مع إسرائيل ضد مطالب الفلسطينيين بشكل معلن على ألسنة كل القيادات العليا في الولايات المتحدة الأمريكية.