د.م.علي بن محمد القحطاني
حـكـي جرايــد
مال هذه الرؤية الجموح تسابق الزمن بخطوات موزونة لبلوغ هدفها قبل وقته المحدد, اطلعت قبل أيام على خبر قد يكون مرّ على الكثير في الصحف المحلية وبعض وسائل الإعلام عن تدشّين وزير الصحة رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للغذاء والدواء برنامج الأدوية الواعدة والذي سيسهم بإذن الله في السماح بوصول علاجات نوعية بشكل مسرّع إلى المرضى في المملكة، وزيادة الخيارات العلاجية المتاحة للمريض في حال فشل الأدوية القياسية، وتقليل نفقات العلاج في الخارج عن طريق توفير الوصول المبكر للأدوية المبتكرة والحديثة، واختصار الفترة المطلوبة لدخول الدواء للسوق السعودي. وهذا من ضمن مساعي الوزارة لتطوير النظام الصحي لترجمة التوجهات الإستراتيجية لرؤية المملكة 2030، من خلال المواءمة مع إستراتيجية تحول القطاع الصحي، وقرارات التحول الحديثة لضمان حصول المواطن والمقيم والزائر على رعاية صحية عالية الجودة.
وللعلم فالأدوية الواعدة يقصد بها تلك التي أكملت مراحل الدراسات السريرية وأظهرت فعالية وسلامة واعدة، وأثرًا علاجيًّّا واضحًا لأمراض مستعصية أو نادرة أو لها انتشار عالٍ بالمجتمع ومن المعايير اللازمة للحصول على تصنيف الدواء الواعد، استهداف الحالات الخطيرة المنهكة أو المهددة للحياة، وأن تكون الفوائد المرجوة للدواء تفوق الآثار الضارة المحتملة، وأن يكون المستحضر له ميزة كبيرة مقارنة بما هو مستخدم حاليًّا، إضافة إلى عدم تسجيله لدى أي سلطة تنظيمية أثناء تقديم الطلب للتسجيل.
ففي الوقت الذي تسعى فيه الوزارة ومن هم على هرم المسؤولية لترجمة توجهات القيادة على أرض الواقع وإنفاذ توجيهاتها بأقصر الطرق وأيسرها بتلمس الاحتياجات وتقديم الخدمات بكل يسر وسهولة بمثل هذه المبادرات غير المسبوقة إلا أن الإدارة الوسطى أو الجهات التنفيذية تواجهها العديد من العقبات والتحديات في تنفيذها وفي الوقت ذاته تضع الكثير من العراقيل والتعقيدات بتفاسير وتأويلات واجتهادات شخصية مما قد يخرجها عن سياقها والهدف المرجو منها.
وسأستشهد بمبادرات أو خدمات تبنتها نفس الوزارة في هذا السياق
الأولى : من ضمن سعيها لتوفير الأدوية للمستفيدين من مرافق الوزارة من مستشفيات ومراكز الرعاية الصحية المنتشرة في كل مدن وقرى المملكة ودعمتها بكوادر طبية وإدارية متميزة ولكن الإدارة المختصة في الوزارة فرضت نفسها وصيًّا عليهم حيث سمحت لأطباء مراكز الرعاية الصحية الأولية بصرف عدد محدد من الأدوية القياسية للأمراض المزمنة مثل السكر والضغط ....إلخ وحجبت العديد من الأدوية المجازة من الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية أي أنها تعدت مرحلة العلاجات الواعدة وأصبحت تصرف وتتداول في جميع مستشفيات وعيادات ومراكز طبية في المملكة العربية السعودية ماعدا مرافق الوزارة الصحة وهنا يتساءل المرضى من الفئتين على حجر الوزارة مستفيدي الوزارة أم بقية المجتمع فهذا تمييز واضح يتعارض مع أهداف الدولة ويخل بمتطلبات تحقيق رؤية المملكة ويلغي مبدأ العدالة المجتمعية.
نعم نتفهم حرصهم على المال العام وحرصهم على توفير أدوية فعالة ذات جودة عاليه بأسعار معتدلة ولكن ليس بهذه الدرجة لتصل لحرمان شريحة كبيرة من المرضى من الأدوية الحديثة وهذا يتعارض تمامًا مع برنامج الأدوية الواعدة.
أما الثانية : تسهيل حصول المرضى على أدويتهم بالمجان من خلال صيدليات مشتركة أو متعاقدة مع الوزارة وهذا جهد تشكر عليه الوزارة انطلاقًا من سعيها لتلمس احتياج المواطن وتقديم خدمات متميزة ولكن بعد التطبيق الفعلي شاب هذه التجربة العديد من العيوب وأصبحت مرهقة للمراجع الذي أنشئت هذه الخدمة للتيسير عليه فهي في الغالب لا يجد المريض كل أدويته في مكان واحد مما يضطره للبحث عن البقية في صيدلية أخرى يتم إرشاده إليها وتتكرر نفس المأساة وعند تقديم شكوى هاتفية يتم تحويله لصيدلية قد تبعد عن مقر سكنه عشرات الكيلومترات وتستغرق رحلته ما يقارب الساعة أي تسهيل هذا ومن المستفيد من هذه الخدمة المرضى أم الشركاء (الصيدليات) وما هي الإجراءات التي اتخذت حيال تلك الصيدليات التي لا يتوفر على أرففها إلا عدد يسير من الأدوية وبكميات محدودة والكثير جدًّا من مستحضرات التجميل والحفائظ أجلكم الله لتصحيح هذا الوضع بل وتلافي حدوثه ومعالجته فور اكتشافه لتحقق الهدف من إنشائها وهنا يبرز دور أساليب الإدارة الحديثة من قياس الأداء والمعلومات المرتجعة بكل طرقها وأساليبها الإلكترونية وغير الإلكترونية لكن للأسف يبدو أنهم أطلقوا الخدمة ولم يصحب ذلك زيارات ميدانية فجائية على شركائهم للتأكد من التزامهم وكذلك وجود آلية سهلة للمريض لتقديم شكواه أو أن العقود لا تنص على أي عقوبات أو غرامات في حالة إخلالهم بتعهداتهم.
قد يتساءل القاريء الكريم ألم تيأس من تجاوب وزارة الصحة مع ما تكتب وغيرك الكثر؟
كيف لي أن أيأس من وزارة تعد من أكبر الوزارات وتمس حياة المواطن والمقيم والزائر والحاج والمعتمر مباشرة مهما كان عمره أو مستواه التعليمي أو جنسه أو جنسيته من سكان القرى والهجر أو المدن فهي أكبر الوزارات وأكثرها تشعبًا رفيقة الإنسان من المهد إلى اللحد من شهادة الميلاد حتى شهادة الوفاة ولكبرها وتشعبها أصابها بعض الترهل ولكنها تسيير بخطى ثابتة لتحقيق رؤية المملكة 2030 فبالأمس القريب أعلنت وزارة الصحة عن اكتمال المرحلة الأولى من تحولها بإطلاق التجمعات الصحية بمناطق المملكة كافة وذلك تحقيقًا لمستهدفات برنامج تحول القطاع الصحي الذي يهدف إلى تطوير المنظومة الصحية ورفع جودة الرعاية والخدمات المقدمة وفق رؤية المملكة 2030، من خلال إعادة هيكلة القطاع الصحي في المملكة وتعزيز قدراته ومكانته كقطاع فعال ومتكامل ليسهم في تحقيق رضا المستفيدين عن الخدمات الصحية المقدمة لهم، وتحسين تجربتهم خلال الاستفادة من خدمات الرعاية الصحية. وهذه نقاط تميز وامتداد لتطورها المذهل وخطوات جبارة تحسب للوزارة لتحقيق الرؤيا وأتمنى ألا يلهيهم اللهاث لتحقيق المستقبل نسيان الحاضر وإيجاد نقاط توقف ومحطات استراحة لالتقاط الأنفاس ومراجعة الخطوات السابقة وتصحيح ومراجعة المسارات، فهي مدرعمه قد امتشقت سماعات الأذن بحجة حجب الضوضاء على اعتبار أن كل الأصوات غير صوتها ضوضاء ولكنها في الحقيقة لا تسمع الا صوتها وصداه.