ناهد الأغا
الغزل الجميل الأنيق في الشعر بلفظه ومعناه والبعيد عن الوصف الصريح والصاخب، يعكس بوضوح تام - كما تعكس المرآة صورة الشخص - العاطفة الجياشة بمشاعر الحب النقي الصادق العفوي البريء المتحرك في داخل الشاعر، ويزداد نضوجها بما يعيشه الشاعر من ود أو إعجاب أو حرمان أو شكوى تعصف في وجدانه جراء ما يختلج في نفسه من مشاعر وأحاسيس.
تكمن محاسن الوصف الغزلي العفيف وجماله الآسر، والكبير، حين ينبع من وصف وتصوير ((ملك الوصف)) أو ((شاعر الوصف)) الشاعر السعودي سعد بن جدلان السعدي الكلبي رحمه الله، ذي القصائد الجزلة والعبارات العفوية، والحكمة البالغة، والأسلوب الراقي في السرد والنظم بأبياته وقصائده، التي نظمها عن العاطفة واللوعة والاشتياق والغزل والحب والحكمة كذلك، يقولها بلغته النبطية الصريحة ولسانه الشعبي، عابراً إلى أعمق المعاني وأبلغها. ففي أبياته الغزلية، التي قالها بقصيدته ((كل دار أرجعت وأنا سناوي)) بكل عفوية وبساطة، وتفصح عما في نفسه من صدق قول وبيان:
كل دار أرجعت وأنا سناوي
عزتي للي سواتي عزتي له
زادت الحمى فرحنا للمداوي
والمداوي زود الحمى مليله
ياجميله قام يطوي الحال طاوي
والله أن كبدي على شوفك غليله
والله أن قلبي على اللاماء شفاوي
غير مافي يدي ولا في يديك حيله
سجليني في علم حبك فداوي
أنا مجنونك عقب مجنون ليله
يارقبة الخشف يا عين النداوي
ياسراجيف الذلول المستحيله
يامناة تقصر عنها المناوي
ياخيار الدهم يالقبا الأصيله
نعنبوك أنتي مكاسر عود جاوي
ملبسك سندس شرابك سلسبيله
لو تمرين الشيوخ أهل الفتاوي
عودوا مثلي يجرون الطويله
من عشق شرواك والا لايهاوي
التقيد من بعض الأشياء فضيله
تلمس في هذه الأبيات صدقاً بالوصف دون تكلف أو تقعر مبالغة باللفظ، ويدرك القاريء والسامع الحالة التي مرت بالشاعر بوضوح، و بصورٍ فنية قريبة من الأذهان والفهم، والملائمة للبيئة التي عرفها الشاعر وعرفته، وعرفها القارئون والمستمعون له، وينقل وصفاً وتصويراً واقعياً عما يتحرك في داخله برقي وتهذيب فائقين، ويتطابق ما جاء في هذه الأبيات من وصف لحاله وأبياته في قصيدة ((يا وليفي دمعكم في غيابي ردّ لي)):
ياوليفي دمعكم في غيابي ردّ لي
وأدري انّ دمعتك خوفٍ عليّ ومن غلاي
أنت ممرضني وأشوف المرض فيكم وفيّ
الهبوب البارده منّك هبّت في حشاي
والله انّ كبدي عليكم عراويها أضميّ
والمشارب غير هرجتك ماتقطع ضماي
كيف تستغرب بطاي ومجييّ يوم أجيّ
منك اجيك أبدون رأيٍ وأروح ابدون رأي
ليلي أسهر به والا جاء النهار أشلى
شوّيمرتٍ أشلى ومرٍ يعاودني بلاي
وأنت سبّة كلّ شي ولا داويت شيّ
كيف ياقادر على داي ماتقدر دواي
صدق وجدان الشاعر، الذي أبدع في وصف ألمه وحنينه ومحبته، وما سببته هذه المحبة من ألم في قلبه، لدرجة ألقت به في أحضان المرض والإعياء، ووصف وصل المُحب له بالدواء الناجع.
رحمك الله يا شاعراً أبدع وأوغل بحُسن الوصف، وتصوير الشعور بدقة فائقة، فبعد سنوات من رحيلك لا زالت أشعارك وحكمتك ووصفك ماثلاً أمامنا.