سعد بن عبد العزيز بن صالح آل فريان
الأولادُ نعمة عظيمة لا يُحس بها إلاّ من حُرم منها أو فقدها،فهم هِبـة إلهية ومنحة ربانية، وفقدهم مصيبة لا يتحملها إلا أهل القلوب المؤمنة والنفوس الصابرة الراضية بقدر الله تعالى، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال «دخلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ رسول الله إبراهيم فقبّله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذرفان،فقال له عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال -صلى الله عليه وسلم- إن العين تدمع ، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» فالبلاء بفقد الولد كربة عظيمة والصبر عليها منحة جليلة وبيت الحمد ثواب كل من رضي بالمصاب وانتظر الثواب من رب العباد جل و علا.
وقد شاء الرحيم الحكيم جل وعلا أن يبتلينا بفقد ثمرة فؤادي ابننا الغالي محمد بن سعد بن عبدالعزيز آل فريان -رحمه الله-، ذي الاثني عشر ربيعاً في ليالي شهر رمضان المنصرم عام 1444هـ بعد مرض ألمّ به ولازمه طويلا ونحسبه والله حسيبه إلى ساعة قبضه وارتقاء روحه لبارئها ممن نشأ على طاعة الله وبذل المعروف وحب المساكين والإشفاق عليهم، فكان في رمضان يتصدق بما جمعه على فقراء الحرم رغبة منه وتقربا لمولاه، تقبل الله منه في الأجر والثواب واغتنام الأيام الفضيلة،وليس المقال لحصر ما له من مآثر وإنما للعظة والاعتبار لنا أولاً ولمن يقرأ المقال موعظة اختصارها أن لا شيء في الدنيا دائم غير العمل الصالح، وأن ما يبقى للفقيد بعد رحيله غير الذكر الحسـن وأياديه البيضاء ومحاسنه التي تبقى رصيداً لـه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم!!
ونحسب أن ما عند الله يبقى وما كان له دام واتصل وإن انقطع الأجل.
ولنا في فقداننا للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة في فجيعتنا وألمنا بفقد ابننا المحبوب فقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب» فلنا في ذلك الفقد عزاء ومواساة إذ لا شيء يعدل فقد الأمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والفقيد رحمه الله يحمل اسمه وهو من أتباع ملته وحفظة ما تيسر من كتاب الله عز وجل فيكون في تأسينا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم الأثر في تصبرنا وانتظارنا لموعود الله عز وجل ببيت الحمد لمن فقد ولده من عموم المسلمين ونسأل الله أن يشـملنا بهذا الفضل الجزيل ولكل مسلم مر بما مررنا بـه من كُربة فقد الأحبة وكما قال الشاعر العباسي أبو العتاهية:
اصبر لكل مصيبة وتجلد
واعلم بأن المرء غير مُخلد
فإذا ذكرتَ محمداً ومصابه
فاذكر مصابكَ بالنبي مُحمد
وقد كان للمصاب وقعُ عظيم وحزن عميق على والديه وأهله ومحبيه قبل وأثناء وبعد وفاته -والحمد الله- على كل حال إلا أننا تمسكنابالصبر الجميل وقد أعقبنا الله خيرا كثيرا في أنفسـنا وأهلينا صبرا واحتسابا وقد بشرنا جمعُ من أقربائه وأحبته بتتابع الرؤى والمنامات عن الفقيد رحمه الله وكلها رؤى خير في مجُملها وهي مبشرات إن شاء الله لـنا ولهم فما عند الله خير وأبقى ولله الأمر من قبل ومن بعد!!
وقد كتمتُ الحُزن عنه صبرا وجلدا لعدة أشـهر حتى فاض بي الحُزن فـباح الفؤاد بما لا بد منـه من كلمات فكتبتُ في رثاء ثمرة فؤادي ابننا الغالي محمد بضعة أبيات تجسـدُ أسى الفقد تصبرا لا تسـخطا وتعبر عن مكنون القلب رضا بالقدر وإيماناً بوعد الله للصابرين قلتُ فيها:
مضـى مُحمدُ للرحمن متشــحا
بالبّر، أورثـنَــا نـورا ورضـوانا
وزادنا فقدهُ صبـراً وتسليةً
والله نسأله في الفردوس لقيانا
يا رب فارحمه؛ واجبر قلب والده
وأمــهُ، زدهم يا رب إحسـانا
وأقبله عندك وأجزل في مثوبتنا
واجعله ذخراً لنا عفواً وغفرانا
واجبر قلوب مُحبـيـّه وعائلةً
ذاقت من الفقد والأحزان ألـوانا
وعُمـنا منكَ يا ربي بــمغفرة
وابدل مواجعـنا أُنسـا وسـلوانا
هذه مشاعري وأصدق المشاعر والأحاسيس المرهفة هي علاقة رابطة الدم كعلاقة الآباء والأمهات بأبنائهم والإخوة بأخواتهم والعربُ لا تبكي على روح فقدت فقط بل إلى ما يُضاف لحزنهم من فقدٍ لتلك المشاعر السامية والنبيلة، وابني عُرف عند أقربائه وأساتذته وزملائه بأدب جم وذكاء متوقد وسمو في الأخلاق..
ذلك ما باح به القلم، ونطقت به الحروف وما في الصدور أعظم، ولكن لا نقول إلا ما يحبه ربنا ويرضى؛ فالحمد الله حمداً لا انتهاء له في السراء والضراء وفي العُسر واليسر، وفي الفقد والبلاء و(إنا لله وإنا إليه راجعون) ولولا خشية سآمة القراء الأعزاء لما توقف القلم ولا حوى قرطاس ما في الفؤاد من لوعة وشجى،ولكن نختم ونتداوى بدعوات نُحييها في كل وقت وكل مكان ولاسيما فاضلين في ظلُمات الليل بقلوب مُتوجعة صابرة وبدموع باكية خاشعة بالرحمة لفقيدنا الغالي محمد ولوالدينا الغاليين وذرياتنا وأقربائنا وأحبابنا ولسائر موتى المسلمين وأن يجمعنا بهم جميعاً في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وأساله تعالى أن يُنزل السكينة على كل مصاب ويلهم المبتلى بفقد الأولاد وفراق الأحباب بالصبر والسلوان وأن يـجعلنا وإياهم من الصابرين على البلاء والراضين بالقضاء واللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيراً منها إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
** **
- المستشار وعضو الجمعية الفقهية السعودية