عبدالله إبراهيم الكعيد
أقولها قبل البدء إن عدم قبول ما يقوله أي معلم وأولهم الأب أو الأم سببه تناقض الأفعال مع الأقوال. إنهم يتحدثون عمّا يُفترض فعله لكنهم يفعلون عكس ما تحدثوا به. كيف يمكن والحال كذلك تصور قبول المتعلّم ذلك التناقض وما هي المحصلة في النهاية؟ تيه وتشوش في المفاهيم.
أما بعد:
يسأل الناس عن سرّ تعلّق الأجيال في مراحل عمرية معينة بنجوم الغناء والسينما وكرة القدم والسعي نحو تقليدهم في المظهر وقصات الشعر والحركات ناهيك عن حفظ وتناقل أقوالهم ومتابعة أخبارهم. ليس هذا فحسب، بل وتعليق صورهم في غرف النوم واقتناء كل ما يتعلق بهم ويرمز إليهم, ألا يُعتبر أولئك النجوم نماذج ضمن مكونات أي مجتمع، سواء اتفقنا مع ما يقومون به في حياتهم الخاصة أم لم نتفق؟ وهل هم قدوات حسنة أم سيئة؟ في النهاية سيقلدهم المعجبون والمعجبات وينجرفون خلفهم.
السؤال الموجع: كم من هؤلاء يُعتبر قدوة صالحة أو مثالاً يُحتذى؟
من جانب آخر قد يقول الأب لابنه: على الأقل كُن مثل فلان (من أقرانه) أو الأم لابنتها: ليتك مثل فلانة (من معارفها).
الابن يعرف عن فلان ما يخفى عن أبيه وكذا تعرف البنت ما يخفى عن أمها. ولو عرفوا لتهشّم النموذج ولم يعد الاقتداء به مطلباً.
ثم قد يُؤتى بنموذجٍ يصعب محاكاته إلى حد الإعجاز كأحد الأنبياء فيطلب الأب الاقتداء به مع أن جميع المؤمنين بالأنبياء يتمنون من أعماقهم بكل صدق وإيمان الوصول حتى ولو إلى أضعف الإيمان بالاقتداء بهم تطبيق أفعالهم.
اليوم دخلنا في نفق لم نعهده من قبل ولم يتوقعه معظمنا. نفق تم فتحه للجميع من قبل منصات (السوشيال ميديا) وعلّقت في سقفه الممتد من لحظة دخوله إلى نهايته التي لا يعرف أحد طولها مغريات المال والشهرة. تراصف في ذلك السقف بشر من لحم ودم بدلاً من العلامات الإرشادية التي تدل على مسلك مسارات النفق ومخارجه والوجهات المرغوب الوصول إليها.
أطلق أولئك المتعلقون أو المعلّقون في مساحات سقفه، ما بين إغراءات المال (سهل المنال) والشهرة الزائفة سريعة الزوال أطلقوا على أنفسهم بالمؤثرين وفي أحسن الأحوال بالمشاهير. ولا يرى كاتب هذه السطور أهمية للخوض في تلك المسميات وأيهما الأصح لأن الأصح غير هذا تماماً. أعني كيف دمّر معظم أولئك الأدعياء الكثير من القيم الأخلاقية والتربوية فلم يعد للآباء والأمهات ما يمكن الاعتداد به أو الاعتزاز بتقديمه كنماذج يقدمونها لأبنائهم وبناتهم من طوفان أولئك التافهين والتافهات بسقف ذلك النفق الذي لا يستطيع أحد التنبؤ بنهايته أو متى الخروج منه.
تقول الحكمة الصينية القديمة «إظهار الأفعال الحسنة للآخرين يُعتبر أساس التعليم» فهل إشهار الأفعال التافهة الرخيصة ممن يُقال عنهم مشاهير السوشيال ميديا من التعليم؟ وأي تعليم وتربية يمكن تلقيّه من مثل هؤلاء وأولئك؟
أليس لهذا النفق من نهاية؟ لطفك يا رب.