فضل بن سعد البوعينين
تُعد المملكة من أكثر الدول إنفاقًا في المجال العسكري، مع حجم إنتاج محلي محدود مقارنة بحجم الإنفاق، ما يعني الاعتماد الكلي على الاستيراد الخارجي، على ما يعتريه من مخاطر أمنية وإستراتيجية، وتبعات مالية مؤثرة، وحرمان الاقتصاد من الفرص الصناعية النوعية.
توطين ما نسبته 50 في المائة من الإنفاق العسكري بحلول 2030 من الأهداف الرئيسة لرؤية 2030 والتي يمكن من خلالها تحقيق أهداف إستراتيجية أخرى، ومنها، تعزيز الأمن الوطني من خلال توفير الاحتياجات العسكرية محلياً، والحد من الاعتماد على الخارج، وخلق قطاع صناعي يسهم في تنويع مصادر الاقتصاد وتوليد الفرص الوظيفية والاستثمارية، وتقليص فاتورة شراء الأسلحة من الخارج، وإعادة ضخ جزء مهم من إنفاق التسلح الضخم في الاقتصاد المحلي لتعزيز النمو وزيادة مساهمة قطاع الصناعات العسكرية في الناتج المحلي الإجمالي.
شكل إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية قاعدة لتنظيم القطاع وفق الإستراتيجية الوطنية وأهدافها المعلنة، إضافة إلى إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية، النواة التنموية لتطوير الصناعات العسكرية، ونقل التقنية وعقد الشراكات العالمية.
شكل «معرض الدفاع العالمي» الذي تنظمه الهيئة العامة للصناعات العسكرية، جانباً من منظومة الصناعات العسكرية، وتحول في فترة زمنية قصيرة إلى منصة عالمية تحرص الشركات العالمية الكبرى على المشاركة فيه، وعرض أنواع الأسلحة والمنتجات العسكرية، وعقد الصفقات والشراكات الدولية من خلاله.
لم تكن المملكة فاعلة في قطاع المعارض الدولية، ومنها قطاع الصناعات العسكرية من قبل، بالرغم من حجم إنفاقها العسكري، وسيطرتها على أسواق المنطقة، غير أن التحول الاقتصادي والصناعي الذي نتج عن رؤية 2030، فرض واقعاً جديداً، واستثماراً أمثل لقدرات المملكة، وتمكيناً للقطاعات الاقتصادية المحققة لمستهدفاتها الإستراتيجية. كشف المعرض في نسخته الأولى عن أهميته في تطوير القطاع وتمكين الصناعات المحلية، ما جعله منصة عالمية جاذبة للشركات من أهم الدول الفاعلة في الصناعات العسكرية. إنطلاق معرض الدفاع العالمي 2024 في نسخته الثانية، هو تأكيد على استدامته وفق رؤية شمولية داعمة لجانبين مهمين الأول، قطاع صناعة الدفاع والأمن، والثاني قطاع المعارض الدولية وتحول مدينة الرياض إلى حاضنة رئيسة لها.
سيسهم المعرض في تعزيز موقع المملكة كوجهة عالمية في الدفاع والأمن والصناعات العسكرية، وتسريع عمليات التوطين والتصنيع الدفاعي، وتدريب القوى البشرية الوطنية، ونقل التقنية وتبادل الخبرات والاستفادة من أحدث التكنولوجيات العسكرية. إسهامات نوعية، قد تحتاج إلى إستراتيجية وطنية موازية لتحقيقها بكفاءة، واستثمار قدرات بعض الدول الباحثة عن أسواق جديدة من أجل تطوير الصناعات السعودية، وتدريب القوى البشرية، ونقل التقنيات بأنواعها، خاصة التقنيات الرقمية الحديثة التي ستسيطر على قطاع الصناعات العسكرية مستقبلاً لفاعليتها وأهميتها الإستراتيجية.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا، ألمانيا، الصين من أكبر الدول المصدرة للسلاح في العالم. وبالرغم من أهميتها للسوق السعودية وتطوير قطاع الصناعات العسكرية فيها، إلا أن هناك دولاً ربما كانت فرص الاستفادة من تقنياتها التصنيعية والتكنلوجية أكثر أهمية، وسهولة أيضاً.
فالصين من الدول المهمة في الصناعات العسكرية والتكنلوجيا الحديثة، وعلاقة المملكة بها متميزة، ومن المهم التركيز عليها لتطوير القطاع، كما أن ما يحدث في أوكرانيا حالياً يجعل أمر استقطاب خبراء التصنيع الحربي، والأمني، والكفاءات الأوكرانية للسوق السعودية ميسراً، وبما يسهم في نقل التجارب النوعية، وبناء صناعات إستراتيجية وفق المواصفات العالمية، ويعزز الابتكار، وتدريب الكفاءات الوطنية، والتوسع الأمثل للقطاع. للمملكة شراكة مهمة مع أوكرانيا منذ العام 2016، لصناعة الطائرات متعددة الاستخدامات، والمتخصصة في الحرب الإلكترونية، وشراكات نوعية أخرى، إلا أن تحديات الحرب الأوكرانية ربما فتحت آفاقاً أرحب لاستقطاب العقول الأوكرانية والكفاءات المتميزة، الباحثة عن بيئة جديدة تمكنها من العمل والإبداع وتحقيق أهدافها المالية. فبناء القدرات المستقبلية للبحث والتطوير والابتكار، وتحويل المملكة إلى مقر للصناعات العسكرية، وليس تجميعها محلياً، من التحديات التي تتطلب وجود الخبرات العالمية، والقدرات البشرية القادرة على الابتكار والتطوير، وتوطين التقنيات الحديثة.
قد يكون معرض الدفاع الحالي منصة مهمة لتحقيق تلك الأهداف الإستراتيجية، فوجود الشركات والخبرات العالمية يُسَهِّل من عمليات التواصل معها، وعقد صفقات نوعية بعيداً عن المحاذير الدولية، فالمعرض من أدوات التواصل المؤثرة مع جهات عالمية مهمة، لا يخلو التباحث معها في العلن من التحديات المؤثرة سلباً على إتمامها.