د. محمد بن أحمد غروي
صُنِّفَت سنغافورة بأنها الدولة الأقل فسادًا وأيضًا في سيادة القانون لمشروع العدالة العالمية في آسيا والثالثة عالميًا، لتكون الدولة الآسيوية الوحيدة في المراتب العشر الأول في تصنيف منظمة الشفافية الدولية، وهي المنظمة العالمية لمكافحة الفساد.
بحسب قراءتي المتواضعة، أعزو أسباب نجاح سنغافورة في الحد من الفساد الكامن في الإرادة السياسية وتخصيص ميزانيات وكوادر بشرية للتحقيق في ممارسات الفساد والصلاحيات المتاحة لديوان الرقابة المالية للتأكد من تطبيق قوانين مكافحة الفساد بغض النظر عن منصب الجاني أو مركزه أو انتمائه السياسي.
الفساد كان متفشياً في سنغافورة خلال فترة الاستعمار بسبب ضعف ما سبق من لدن الاستعمار البريطاني والتي انعكست في اعتمادها على حكومة غير فاعلة رغم إنشاء أول وكالة لمكافحة الفساد قبل الاستقلال عام 1952 .
يذكر المؤرِّخون أن العامل الذي ساهم في انتشار الفساد خلال تلك الفترة التي كان الاحتلال البريطاني يسيطر فيها على سنغافورة، هو انخفاض المرتبات بين العاملين في مجالات الأمن والأجهزة الحكومية، بالمقابل حصل البيروقراطيون على أجور عالية بما فيه الكفاية ضامنًا لهم مركزاً وظيفياً ومالياً للخروج على نطاق القانون للحفاظ على مستوى المعيشة.
في عام 1960، كانت سنغافورة دولة فقيرة، وكان نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي 1.330 دولارًا سنغافوريًا أو 443 دولارًا أمريكيًا، كما لم تستطع حكومة حزب العمل الشعبي القدرة على رفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وتم التركيز على تعزيز التشريعات القائمة تقليلًا لفرص الفساد وزيادة العقوبة على السلوك الفاسد.
قانون مكافحة الفساد، صدر في 17 يونيو من ذلك العام، وبعد فترة طويلة من تحقيقها الاقتصادي والنمو المتنامي. ليقوم رئيس الوزراء آنذاك لي كوان يو بنهج فريد في مكافحة الفساد والحد منه من خلال تحسين رواتب القادة السياسيين وكبار موظفي الخدمة المدنية لتقارب أجور الوزراء وتم سن حكومة حزب العمل الشعبي قانون منع الفساد (POCA)، الذي أعطى مكتب التحقيق في الممارسات الفاسدة (CPIB) المزيد من الصلاحيات لمحاربة الفساد ليتبع المكتب إدارياً لرئيس وزراء البلاد.
إن ما يقوم به مكتب تحقيق الممارسات الفاسدة في سنغافورة حالياً هو نهج شامل تجاه التنفيذ، وبمعنى آخر أن مكتب التحقيق تعامل مع كل الحالات والقضايا على حد سواء للقضاء على الفساد في القطاعين العام والخاص كما تنعكس فعالية المكتب في تطبيقه المحايد للسياسة وقانون منع الفساد، لأنه لم يتردد في التحقيق في مزاعم الفساد ضد القادة السياسيين وكبار موظفي الخدمة المدنية كائناً من كان علّ آخرها قضية هزت سنغافورة والأولى من نوعها لعقود وهي اعتقال وزير النقل وتوقيفه عن العمل، في إطار تحقيق استهدفت أحد أكبر أثرياء الدولة.
الفساد لا يعرف ديناً ولا عرقاً، كما جعل العالم أكثر خطورة وإن السبيل الوحيد للخروج من نفق الفساد المظلم هو قيام الدول بالعمل الجاد واستئصال الفساد على جميع المستويات لضمان عمل الحكومات لجميع الناس، بحسب ما ذكرته رئيسة منظمة الشفافية الدولية.
مكافحة آفة الفساد تحتاج إلى وقت وجهد طويلين كما أن تكاتف الجهات الحكومية في المملكة أثبت تقدم المملكة في ذلك المؤشر وثباته لتثبت المملكة عاماً بعد عام توجه القيادة الحكيمة في قطع دابر الفساد والإشراف المباشر على الملف الذي يقف حجر عثرة في تقدم الأمم ونهضتها.