محمد سليمان العنقري
تأكيد وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لاقتصاد المملكة عند (A+) مع نظرة مستقبلية مستقرة يأتي في مرحلة مهمة من الأوضاع الاقتصادية الدولية التي تهيمن عليها حالة عدم اليقين، حيث أوضحت الوكالة أن التصنيف يعكس عدة عوامل منها الميزانية العمومية المالية والخارجية القوية إضافة إلى معدل الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يعد منخفضاً عند نسبة تقارب 25 بالمائة وهو بعيد عن المعدلات العالمية المقبولة عند 60 بالمائة بالإضافة للقوة بالأصول الأجنبية السيادية والتي تعتبر أقوى بكثير من متوسط تصنيفي (A وAA ) كما ذكرت الوكالة أن التصنيف يعكس الهوامش المالية الكبيرة في المالية العامة، وذلك في شكل ودائع وأصول القطاع العام الأخرى فجميع هذه العوامل تعكس نجاح الإصلاحات الاقتصادية والتي ساهمت بدعم نمو القطاع غير النفطي وتنشيط العديد من القطاعات الاقتصادية الحديثة في المملكة مما ساهم بجذب الاستثمارات وتوليد فرص العمل والحفاظ على متانة الاقتصاد والجدارة والملاءة المالية القوية.
ففي الوقت الحالي يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة حرجة تحت الضغوط التضخمية وارتفاع حجم الديون العالمية وتراجع نمو الاقتصاد الصيني بينما يعاني الاتحاد الأوروبي من ضعف كبير في نمو اقتصادات دوله أما في أميركا فما زالت حرب الفيدرالي الأمريكي على التضخم قائمة رغم أن هناك ثمناً يدفع، حيث انهارت عدة بنوك العام الماضي بينما قفز الدين السيادي لمستويات غير مسبوقة وقارب 34 تريليون دولار مع مخاوف من تراجع بالنمو كبيرة إضافة لكون هذا عام الانتخابات الرئاسية والتي تكون أكبر تحد للحزب الحاكم عادة من الناحية الاقتصادية التي تمثِّل أهم عامل في حسم الانتخابات ومقابل كل ذلك فإن المخاطر الجيوسياسية عالمياً تزداد سواء في حرب روسيا وأوكرانيا وكذلك أحداث الشرق الأوسط في حرب إسرائيل على غزة وما صاحبها من توترات في البحر الأحمر بدأ يظهر أثرها بارتفاع تكاليف الشحن البحري بمقدار الضعف إضافة لتقلبات أسعار النفط حالياً وتأرجحها حول مستوى 80 دولاراً، ورغم كل ذلك ومع ما خلفته أيضاً جائحة كورونا من تداعيات اقتصادية عالمية ضخمة إلا أن المملكة استطاعت تجاوز هذه التحديات نتيجة للاستعدادات المبكرة لمواجهة الأزمات بالإضافة لتحويل الأزمة لفرص وهو ما ظهر بتحقيق الاقتصاد السعودي لأعلى معدل نمو بين مجموعة العشرين عند 8.7 بالمائة عام 2022 بعد أزمة كورونا الطاحنة التي بدأت عام 2020 فالحفاظ على المتانة المالية وتحقيق معدلات نمو جيدة وتنشيط عدة قطاعات جديدة وجذب استثمارات ضخمة مع خفض كبير بمعدل البطالة من حوالي 15 بالمائة في الربع الثاني من عام 2020 نتيجة لازمة كورونا إلى حوالي 8 بالمائة حالياً بفترة لم تتجاوز ثلاثة أعوام، لكن تبقى أهمية هذا التصنيف في الوقت الذي تنفذ فيه مشاريع ضخمة بالمملكة بمختلف القطاعات الصناعية والخدمية والسياحية واللوجستية والعقارية وغيرها والتي تحتاج لضخ استثمارات هائلة مما يعني ضرورة التوسع بالائتمان في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة لحوالي 5.5 بالمائة وهو ما يرفع التكاليف لكن التوازن الذي تنفذه الدولة في تمويل المشاريع ساهم بضبط هذه التكاليف وتوفير معدلات تكاليف ائتمان مقبولة جداً قياساً بالظروف الدولية الحالية عبر نجاح تنفيذ خطط وبرامج رؤية 2030 وهو ما عزَّز الثقة بالاقتصاد الوطني، حيث انخفض حجم نسبة إيرادات النفط بإيرادات الخزينة العامة نتيجة للإصلاحات الاقتصادية وتم استيعاب تقلبات أسعارالنفط وكذلك خفض الإنتاج لاستعادة التوازن للسوق الذي تقوم به أوبك بلس.
التصنيف الائتماني مهم جداً عندما يكون لديك احتياجات تمويلية ضخمة والأهم هو النظرة المستقبلية التي جاءت مستقرة، فالمرحلة الحالية من عمر الرؤية تعد مهمة جداً، حيث بدأ تشغيل بعض مشاريعها واستمرار تنفيذ ما اعتمد منها ويتزامن ذلك مع حصول المملكة على استضافة إكسبو الرياض 2030 وكذلك استضافة كأس العالم لكرة القدم 2034 وأيضاً كأس أمم آسيا 2027 وغيرها من المناسبات والغعاليات التي تحتاج لإطلاق وبناء مشاريع ضخمة أيضاً مما سيوسع من حجم الطلب على الائتمان وكذلك جذب الاستثمارات وهو ما يتطلب دائماً متانة اقتصادية وملاءة مالية وتصنيف ائتماني قوي وهو ما تنعم به المملكة نتيجة للسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الواقعية والتحوط من المخاطر الدولية وتعزيز الشراكات مع العالم.