د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
سأل أستاذنا الدكتور عبدالله الوليعي بعلة ترك الناس اليوم وصف المثنى بمثنى أو إسناد فعل إلى ضمير المثنى، فيقولون مثلًا: «وقّفنا رجالَين مسافرِين، وسألانهم ولا قالوا لنا أي علم»، وكنت أجبته إجابة مجلسية، ولعل ما يأتي يقرب ما أردت.
تعبر اللغة العربية عن الاثنين بصيغة تصريفية خاصة؛ إذ ينتهي الاسم بألف ونون أو ياء ونون، وفي لغات أخرى لا صيغة تصريفية للمثنى بل تعبر بالعدد، ففي العربية (كتابان) وأما في الإنجليزية فيقال (two books)، وهكذا تجد أن من الناطقين بغير العربية من يقول (اثنين كتاب).
ومع هذا الأمر القياسي عرفت العربية أن المثنى في حقيقته متجاوز للواحد كتجاوز الجمع للواحد؛ ولذلك ربما استعمل الجمع في ما القياس فيه التثنية.
وأشهر ما يكون ذلك في أعضاء الحيوان؛ إذ تجمع إذا أضيفت إلى المثنى، قال سيبويه «وسألتُ الخليل رحمه الله عن: ما أحسنَ وجوهَهما؟ فقال: لأن الاثنين جميعٌ»(1).
ويؤيد هذا عند الخليل بقياس شكلي، وهو إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم إذ يعامل المثنى معاملة الجمع، قال «وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك»(2).
ويبين علة جمع ما حقه التثنية بقوله «ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردًا وبين ما يكون شيئًا من شيء»(3).
قال السيرافي «المنفرد نحو: ثوب ودار وفرس، إذا ثنّي هذا الضرب، فالوجه لفظ التثنية كقولك: ثوبان وداران وفرسان. والذي هو شيء من شيء نحو: وجه ورأس وبطن وظهر وقلب، وهو من حيوان»(4).
ويبين السيرافي أن المختار في تثنية هذه الأعضاء أن تجمع، وبين علة جمعها، قال «فإذا ثنّوها فالاختيار لفظ الجمع في تثنيتها، كقولك في تثنية وجه (أوجه) و(وجوه). قال الله عز وجل: ( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ) [4-التحريم]، وإنما صار هكذا لأن في البدن أعضاء كثيرة مثناة وهي أكثر البدن، وإذا ضمّ ما في بدن واحد من المثنى إلى مثله صار جمعًا لأنه يصير أربعة، والواحد المضموم إلى مثله من آخر محمول على الاثنين، فلذلك اختير الجمع»(5). فجمعك عينين من رجل إلى عينين من رجل آخر سيكون أعينًا، والقلب من الرجل بمنزلة قلبين فإذا جمعته مع قلب رجل آخر سيكون قلوبًا.
ويسوق السيرافي علة أخرى، قال «ووجه آخر فرقوا بين ما في البدن منه واحد وما في البدن منه اثنان. إذا ضموا أحد الاثنين إلى مثله من آخر يكون مثنى [عين وعين= عينان]، وإذا ضموا الواحد إلى مثله يكون جمعًا [قلب وقلب= قلوب] للفرق، وهذا هو الاختيار»(6).
وفي جمع المثنى المضاف تعدت اللغة إلى ما هو غير عضو حيوان، قال ابن مالك «فإن لم يكن المضاف جزءَ ما أُضيفَ إليه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو: سَلّ الزيدان سيفيهما. فإن أمن اللبسُ جاز جَعْل المضاف بلفظ الجمع. وفي {يعذبان في قبورهما} شاهد على ذلك، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه {إذا أخذتما مضاجعكما}»(7).
وبين النحويون أن المضاف الدال على المثنى إن كان جزءًا من المضاف إليه فالمختار إذا أضيف إلى مثنى أن يأتي بصيغة الجمع ويجوز المفرد ويقل المثنى(8). قال ابن مالك «فإذا وجدت الشروط في المضافين المذكورين فلفظ الجمع أولى به من لفظ الإفراد، ولفظ الإفراد أولى به من لفظ التثنية، وذلك أنهم استثقلوا تثنيتين(9) في شيئين هما شيء واحد لفظًا ومعنى، وعدلوا إلى غير لفظ التثنية، فكان الجمع أولى لأنه شريكهما في الضم، وفي مجاوزة الإفراد. وكان الإفراد أولى من التثنية لأنه أخف منها والمراد به حاصل، إذ لا يذهب وهم في نحو (أكلت رأس شاتين) إلى أن معنى الإفراد مقصود»(10).
وإن كان غير جزء من المضاف إليه فالمختار التثنية ويجوز الجمع والإفراد إن أمن اللبس، قال ابن مالك «وإن لم يكن المضاف جزأي المضاف إليه ولا كجزأيه لم يعدل عن لفظ التثنية غالبًا نحو: قضيت درهميكما، لأن العدول في مثل هذا عن لفظ التثنية إلى لفظ الجمع موقع في اللبس غالبًا، فإنْ أمن اللبسُ جاز العدول إلى الجمع سماعًا عند غير الفراء، وقياسًا عنده، ورأيه في هذا أصح، لكونه مأمون اللبس، مع كثرة وروده في الكلام الفصيح»(11).
ولعلنا بعد هذا نجد العذر لمعاملة المثنى معاملة الجمع في اللغة المحكية في مثل قولهم (سمعت الولدين يتكلمون).
(1) الكتاب، 2/ 48.
(2) الكتاب، 2/ 48. وانظر: 3/622.
(3) الكتاب، 2/ 48.
(4) شرح كتاب سيبويه للسيرافي، 2/ 377.
(5) شرح كتاب سيبويه للسيرافي، 2/ 378.
(6) شرح كتاب سيبويه للسيرافي، 2/ 378.
(7) شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لابن مالك، ص256.
(8) انظر: تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك، ص19. وشرح التسهيل له 1/105.
(9) يقصد تثنية اللفظ وتثنية ال ضمير.
(10) شرح التسهيل لابن مالك، 1/ 106.
(11) شرح التسهيل لابن مالك، 1/ 107.