خالد محمد الدوس
الموت حقيقة أزلية مؤلمة. وهو الفراق الذي لا مفر منه، والوداع الذي يفرض علينا ويجب أن نتقبله بكل رضا واحتساب وصبر وإيمان خالص, ومهما تعددت الأسباب وتفاوتت الأعمار (كباراً أو صغاراً) فمن المعلوم بأن هناك يوماً للرحيل..! ويبقى بالتالي الموعد غائباً عن معرفتنا, فلا أحدنا يعرف متى موعد الرحيل وكم سنعيش في هذه الحياة الفانية..؟! وما الذي هو مخبأ خلف ستار القدر. قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (185) سورة آل عمران. ولو كان هناك أحد في هذه الحياة الفانية أكبر من الموت لكان رسول الله صلى الله وعليه وسلم بيننا اليوم, ولكن ما زلنا نستقي من كأس مرارة فقدان الحبيب المصطفى ومعلم البشرية عليه الصلاة والسلام.. وهذه سنة الحياة.
قبل أيام قلائل تلقيت نبأ وفاة الأخ العزيز والقريب الحبيب (عيسى بن أحمد العبيد) بعد معاناته مع المرض عن عمر يناهز 70 عاماً، والفقيد -رحمه الله- كان صاحب خلق رفيع وابتسامة دائمة واستقامة في القيم التربوية الأصيلة والشيم الفضيلة.. أكسبت شخصيته المتزنة وروحه الاجتماعية العالية حُب الأقارب والأصدقاء وكل من عرفه عن قرب.. لنُبل تعامله وإحساسه الإنساني المرهف وطيبة قلبه وسلامة سريرته وبشاشته العفوية التي دخل بها قلوب الأحباب والأصحاب بلا استئذان أو خجل..! لأنه كان يؤمن بمبدأ (ليس من الحكمة صناعة الأعداء) وكان بقيمه الأصيلة يتجاهل.. ويسامح.. ويتنازل.. ويبتسم من أجل حبل المودة حتى مع أولئك الذين اختلف معهم في وجهات النظر..! عاش فقيدنا الغالي (أبو أحمد) في أسرة معروفة بعمق تاريخها الأصيل في المجتمع النجدي ومن الأهالي المعروفة. فكانت أسرة (آل عبيد) من عوائل نجد المعروفة بالشهامة والكرم والأصالة، وبعد وفاة والده الشيخ أحمد بن عبد المحسن بن عبيد -رحمه الله تعالى- عام 1394هـ تولى رعاية إخوته فكان (الأب الثاني) لهم يحرص على متابعتهم ولم شملهم بقلبه الحنون ومشاعره التربوية الأبوية بحكم أنه الأخ الأكبر، فكان نموذجاً يقتدى به في خصال البّر مع والدته المرأة الصالحة والناصحة (لولوة عبد الله الشايع) -رحمها الله تعالى - إلى درجة أنه كان معظم وقته يقضيه معها وعلى مائدة واحدة، وكان ملازماً لها ويقوم برعاية أمُه ومتابعة أحوالها الصحية مع بقية أشقائه، فكان -رحمه الله - من الفائزين بهذا العمل العظيم، والموفقين في ميدان البر والإحسان، عانى فقيدنا الغالي وخلال السنوات الخمس الأخيرة من عمره من مرض وظل صابراً ومحتسباً، ضارباً أروع معاني الصبر والثبات في معاناته المرضية، فكان يردد ويذكر فضل الله سبحانه عليه حامداً وشاكراً لخالقه العظيم، وبعد تردي أوضاعه الصحية في ظل معاناته المرضية لم يشتك، بل كان يشكو بثه وحزنه إلى الله عزَّ وجلَّ، فكان بالفعل يؤمن بأن الإيمان (نصفان) نصف شكر والنصف الآخر صبر.. ولعل ثباته وصبره على مرضه يؤكد عمق إيمانه وكثرة حمده لله والثناء عليه والشكر له عزَّ وجلَّ في كل حال بابتسامته العفوية وبشاشته المألوفة مع أحبابه وأصحابه أقاربه عندما يلتقي بهم . فترك لنا دروساً عظيمة في حسن الظن بالله والثقة به، والإيمان التام أن المؤمن كل أمره خير كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسام في حديث رواه الإمام مسلم: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاء شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ».
رحم الله فقيدنا الغالي صاحب الخلق العالي (عيسى العبيد) وأسكنه فسيح جناته وجعل ما أصابه من مرض وسقم تكفيراً للخطايا ورفعة في الدرجات تغمده الله بواسع رحمته. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.