أمين شحود
اصطف المصلون استعداداً للصلاة، والتفت إليهم الإمام قبل التكبير ينبههم بنبرة حادة على ضرورة وضع الجوالات على الصامت، وكرر تنبيهه باللغتين الإنجليزية والأوردية، يبدو أن الأمر استفحل..
وكنت في الصف الأول خلف الإمام مباشرة -على غير العادة-، وفي الركعة الثانية رنّ جوالي - على غير العادة أيضاً - وأصدر صوتاً مدوياً ملأ أركان المسجد، مع نحنحنة من مصلٍّ عن يميني، الذي لم يتوقف عن نحنحته حتى بعد أن أغلقت الجوال، عندها أدركت أن نحنحته ما هي إلا تعبيراً عن قوله «يا ويلك من الإمام».. توترت من الاتصال الذي أتى في غير وقته مترقباً نهاية الصلاة لمواجهة الإمام في مسجد أصلي به لأول مرة ولم أعهد في معظم الأئمة إلا الاحترام واللطف.
كثيرة هي الأمور التي تأتي في غير وقتها، مثل نوبة عطاس مفاجئ في منتصف الاجتماع، أو أن يدخل مديرك عليك بعد عناء ساعات عمل متواصل، فلا يراك إلا وأنت تتمغط.
أو أن توجه إليك الأسئلة في لحظة تملأ فيها «اللقيمات» فمك.
أو أن يوقظك أحدهم أثناء وصول حلمك إلى مشهده الأخير الجميل.
أو تكون «مبهدل» فيقابلك أقوام لم ترهم منذ سنوات فيعتقدون أنك هكذا دوماً.
أو أن يستوقفك أحدهم وأنت تسابق الزمان والمكان للوصول إلى أقرب مكان مهيأ لتلبية نداء الطبيعة.
ولو عممنا الأمثلة بشكل شمولي لوجدنا أن أغلب الناس تعتقد أن أمور حياتها فاتت أو جاءت في غير وقتها (عمل، زواج، رزق، سفر...)
الواقع يقول إن ما نعتقد مجيئه في وقت غير مناسب ما هو إلا لتركيزنا عليه وتناسينا للحياة التي تسير على ما يرام، فنستاء لتلك اللحظة ونتغافل عن بقية اللحظات التي جاءت في الوقت المناسب وعلى نحوٍ لم نتوقعه، وأن ما نظنه غير مناسب قد يكون محض خيرٍ وأكثر مناسبة، وما ينقصنا حقيقة هو اليقين أن الله مدبر الأمر، ما من لحظة تمر إلا هي بتدبير من حكيم عليم.
قيل لحكيم: متى يكون الوقت مناسباً لأمر ما؟
أجاب: عندما تفعله لا أن تسأل عنه.
قيل: لم نفهم شيئاً!
قال الحكيم: ليس كل ما في الحياة يُفهم.
ثم جاءت الركعة الرابعة وهرمونات القلق تتزايد، وبعد السجود الثاني سها الإمام وقام للركعة الخامسة، فضجّت أصوات المصلين: سبحان الله سبحان الله، وتلبّك الإمام وغمرني شعور بالارتياح بأن سهو الإمام أنساهم رنة الجوال..
انتهت الصلاة والتفت الإمام.. ينظر إليّ شزراً وأرمقه بطرف عيني وفي داخلي بعض الشماتة.. «ايش رأيك تحطها فيني بعد؟!»