عبده الأسمري
أقمت العام الماضي دبلومين للكتابة الإبداعية وكان «الرهان» في منهجية هذا النوع وما يتضمنه لذا تجاهلت «المراجع» وتجاوزت «المطالب» وارتهنت إلى خبرة الذات وتواءمت مع منتج النفس في سبيل إيجاد مسارات مبتكرة واتجاهات متطورة تحاكي الواقع وتظهر المحتوى التدريبي بما يلامس «الاحتياج» ويرفع مستوى «الأهداف» ووجدت حينها أن النتائج مبهرة والاتجاهات مزدهرة.
خلال الأسبوع الماضي وردتني دعوة من أكاديمية بالهند تعنى باللغة العربية وعلومها وتهتم بإقامة الندوات المتخصصة التي تهتم بشأنها استمراراً لتاريخ هذه الدولة وإرثها العظيم من العلوم والمعارف منذ قرون واخترت موضوع «أسس واتجاهات الكتابة الإبداعية والاحترافية» عنواناً للندوة المقامة لارتباط الموضوع بلغتنا العظيمة وترابطه مع مستقبل المعرفة ووجدت أن هذا المنهج بحاجة إلى عمل دؤوب واحتراف حاضر واستشراف مستقبلي حتى نرى الإبداع مرتبطاً بالكلمة والإمتاع مترابطاً مع العبارة ومضي الفصحى في دحر وهزيمة كل رعونة مكتوبة وسذاجة لفظية ومفردات دخيلة تلوث مساحتها الاعتبارية وتاريخها المعتبر.
ما بين هذه المحافل والاتجاهات لدينا «أزمة» حقيقية في الكتابة الإبداعية فهنالك الكثير ممن ينتظرون الركض في ميدان الكتابة الإبداعية ولكن «المساحات» محدودة والساحات «فارغة» تنتظر «فرساناً» يملؤونها بأنفاس «أصيلة» لصناعة أجيال تجيد الإبحار في عوالم المعرفة وتصنع الاعتبار لمعالم الثقافة.
تعلّم الجامعات طلابها في أقسام الإعلام على عشرات المناهج المتخصصة والدقيقة والعميقة ولكنك تتفاجأ بأن الخريج لا يستطيع أن يكتب خطاباً أو أن يحرر قطعة مكتوبة وهو المنتظر منه أن يكون في المستقبل محرراً صحافياً أو معداً فضائياً أو مسؤولاً إعلامياً والأدهى من ذلك أن كتابة المحتوى في أقل حالاتها لاعتمادها على «منهجيات» التسويق أكثر من «أساسيات» التشويق الذي تلعبه الكتابة الإبداعية في اتجاهات حرفية تصنع للجهة وللموظف وللمسؤول «مقاماً» معرفياً يعكس «قيمة» الأداء.
تتبارى الأندية الأدبية والمقاهي الأدبية والجهات الثقافية في حشد «الشعراء» و»الروائيين» و»القاصّين» و»النقاد» في «أحاديث» و»أمسيات» تكرر «قوالب» روتينية من التخصص العميق أو قراءة في مشهد معروف عنه أو متعارف عليه وإن جاءت مناسبة أو احتفالية رأيناها تستدعي نفس الفئة حتى تتحدث عن الذات وتبجل المضيف فيما لا نرى «التفافاً» حقيقياً أو «لفتة» واقعية أو «وقفة» احترافية تهتم بالكتابة وشؤونها ومقاماتها وأبعادها ودراسة مستفيضة عن تلك «الفجوات» البائسة بين أجيالنا وكتاباتهم واعتمادهم على «مخزون» تعليمي قائم على الحشو و«معروض» تقني معتمد على الجهل.
سؤالي العريض.. ماذا يقدم التعليم لطلابه في تعلم «اللغة العربية» وما هي المخرجات الحقيقية وهل لدينا منهج حرفي لتعلم «الكتابة» وكيف نصنع كتاباتنا بلغة راقية ومتى نرى في وزاراتنا اهتماماً واضحاً بمنهجية الفصحى ولو تنبأنا بالإجابة علينا أن نرى المنتج في خطابات ومراسلات الوزارات والمسؤولين ولو أردنا تذوق طعم الحقيقة «المر» علينا أن نستوقف خريجي الجامعات في «اختبار» عابر عن كتابة «قطعة» إنشائية صغيرة عن جامعته وعن أمنياته وغيرها حينها سنواجه «صدمة» النتائج و«سوء» الحال.
اطلعت على مناهج الدورات التدريبية في عدة قطاعات وتفاجأت بخلوها من «التأهيل» الاحترافي في منهج الكتابة وعاينت أنشطة الجامعات فرأيتها تركز على كل الأنشطة اللامنهجية باستثناء «الكتابة» واطلعت على بعض «المنصات» المعنية بالمعرفة فوجدتها توكل «التدريب» في شأن المعارف لأشخاص غير مؤهلين أو من خريجي «قروبات» الواتس أب أو من القادمين من «السنابات» المناطقية!! أصابتني الدهشة واعترتني الصدمة وتيقنت أن الخلل يكمن في «الغفلة» البائسة و»التجاهل» المؤلم لهذا الفن العتيق والمنهج العميق والذي يمثل الهوية المعرفية بكل تفاصيلها..
الكتابة الإبداعية مقام ذو شؤون ينتظر تسليط مجهر «الاهتمام» على تفاصيله قبل عناوينه وعلى وزارات التعليم والثقافة والإعلام أن تعتني بهذا الملف حتى نرى «الإبداع» بلغة المنتج وهوية الحديث وهيئة الحدث في كل آفاق الحرفية وأبعاد الاحترافية.