خالد بن عبدالرحمن الذييب
لا شك أن أي عمل بشري يحتمل الصواب والخطأ، ولكن مع دوكسيادس المخطط اليوناني الشهير الذي قام بإعداد مخطط الرياض عام 1968م، وأُعتمد بقرار مجلس الوزراء عام 1973م، قد حمّلناه كل أوزارنا التخطيطية وكان كالمشجب الذي علقّنا عليه أخطاء مدينة الرياض.
فإذا استثنينا عيبه الأهم بعدم الحديث عن النقل العام فإن اخطاءه الأخرى لا يتحملها لوحده. فدوكسيادس اقترح مخططاً إرشادياً للرياض بمساحة حضرية تبلغ 300كم2 تستوعب 1.4 مليون نسمة عام 2000م، وباتجاه نمو خطي شمالاً على طول العصب الممتد في اتجاه (الشمال - جنوب) واقترح أن يكون وادي حنيفة الحد الغربي للمدينة، والمنطقة الصناعية والاستعمالات الخاصة، والإدارات الحكومية حداً للمدينة شرق الرياض، أما على مستوى الكثافات فقد ركز الكثافات العالية منها وسط المدينة، أما المتوسطة والمنخفضة فقد توزعت على باقي المدينة. ولكن ما حدث أن الطفرة النفطية في السبعينيات ساهمت في عدم نجاحه. ولست بصدد نقد عام للمخطط ولكن سأتكلم عن الإشكالية الأهم في نظري، وهي ضعف اللغة المشتركة بين المجتمع ودوكسيادس، والتي ظهرت اثناء التعامل مع تفاصيل المخطط، وأعني بالمجتمع «المسؤول والمواطن» على حد سواء.
فقضية التعامل مع نسبة البناء لقطعة الأرض، والتي كانت 60 % خالفها دوكسيادس وجعل نسبة البناء 35 %، 40 % بقطع مستطيلة الشكل عمقها ثلثا عرضها، ولكن ما حدث هو الاستمرار على 60 % والتأكيد على الشكل المربع 20 في 20.
عدم مراعاة الخصوصية إشكالية تؤكد على ضعف اللغة مشتركة بين دوكسيادس والمجتمع. فإجازة دوكسيادس للمباني المتقيدة بشرط الارتداد بفتح نوافذ تشرف على المساكن المجاورة تحسب على من أشرف على المشروع «المجتمع» أكثر مما تُحسب على دوكسيادس. فإذا كنا في الفقرة الخاصة بنسبة التغطية وافقنا على المقترح ولم ننفذه، فإننا هنا نفذنا ما لا يتواكب مع المجتمع.
من إشكاليات المجتمع الأخرى أن يُعتمد مخطط «دوكسيادس» وبعد ثلاث سنوات فقط يتم الاتفاق مع شركة أخرى (ست إنترناشيونال) لتقييمه وتعديل أخطائه؟ ومع ذلك فإن اللوائح الخاصة بالنظم العمرانية والمتعلقة بإلغاء الارتداد وحماية الخصوصية لم تطبق.
ونلاحظ هنا أننا أمام ثلاث قضايا، إما اننا لا نطبق الأنظمة، أو أننا نطبق بدون دراسة تبعات هذه الأنظمة، والثالثة إننا عندما نقيّم لا نطبق ما قيمناه أو اعتمدناه. خلاصة القول إن مخطط دوكسيادس على علاّته كان جيداً على المستوى الإرشادي واتجاهات النمو، ولكن عندما دخل في الأنظمة والتفاصيل بدأت المشاكل والتناقضات بالظهور، وكأن دوكسيادس كان يعمل بمنأى عن المجتمع السعودي، أو كأن المجتمع لم يعر دوكسيادس ومخططه أي أهمية، فعندما يقترح استشاري مقترحات ولا تنفذ فإن هناك خللاً إما بالاستشاري نفسه لإنه لم يفهم ما يريد المجتمع وما تريد المدينة، أو في المجتمع نفسه، لأنه لم يفهم لماذا تم اقتراح الأنظمة.
أخيراً ...
أهم نقطة لنجاح مخطط هي أن تعلم لماذا تم اقتراحه واقتراح أنظمته وتوجهاته ليسهل تنفيذه وتفعيله.
ما بعد أخيراً...
تفعيل مخطط دون فهمه فإنه مع أول عثرة سيعود من حيث بدأ.