مها محمد الشريف
لقد تحدث جنون الحقد بلغات مختلفة تحدث بها العالم على اختلاف أعراقهم وجنسياتهم، وأصبحوا شهوداً لا يحركون ساكناً، شهوداً على الأعمال البربرية التي يرونها اكتسبت شرعيتها من الديموقراطية، على الرغم من أن الهدف الأعظم لإسرائيل في غزة غير معروف، ولكن هناك دلائل تشير إلى أن الاحتلال المطول يشكِّل مرحلة غير آمنة ويزيد من إشعال فتيل القتال، بحجة محاربة حماس وتطهير الأرض منهم، وتلمح تصريحات القادة الإسرائيليين إلى نية إسرائيلية لوجود طويل الأمد في غزة من دون تحديد أي إطار زمني للانسحاب.
الذي زوَّد هذا الطرف أو ذاك بالأسلحة التي أودت بحياة الآلاف من البشر هو من يريد استمرار الحرب، ويتحمَّل مسؤوليتها، لذا لم يشارك المجتمع الدولي في تحمّل هذه المسؤولية، فمنذ ذلك الحين، وحقب السلام القصيرة، عاش الفلسطينيون حالة الحرب حتى ظلت صور مآسي الحرب عالقة في ذاكرة وسائل الإعلام، صور حزينة دامية للوجدان الإنساني، فكل شيء وصل إلى مرحلة الخطر أقل ما يُقال عنه وضع مأساوي للغاية لا يمكن أن تقبله الإنسانية، فقد سمع العالم وشاهد التهديدات الإسرائيلية وآلة القتل التي حصدت الأرواح البريئة ولكن صمتت الدول الكبرى حيالها بلا حول ولا قوة.
هكذا، تبدو الأمور بين الأمل الكبير والقنوط المفرط، وخاصة بعدما انتهت جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخامسة في عدد من الدول العربية وإسرائيل فشل معلن في الجولة التي كان عنوانها الأساسي التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و»حماس» وتهدئة في غزة تتيح تبادلاً للأسرى وتدفقاً للمساعدات الإنسانية.
وخلال هذه المحاولات إسرائيل ما زالت تتفاخر بالدمار الذي تحققه بالأسلحة التي تستعملها، فهل يمضي الزمن المضطرب بأقل الخسائر، أم سيتفاقم ويتجاوز الحدود؟ واليوم تبذل الدول العظمى جهدها بمشاركتها في إحلال السلام وما يترتب عليه من تداعيات ونتائج، وتتراجع قليلاً عن تأييد إسرائيل في حربها وخاصة بعد عزم نتنياهو اجتياح عسكري لمدينة رفح الفلسطينية، آخر نقطة في قطاع غزة، الذي يعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه «قرار لا مفر منه»، فيما أبدت الكثير من الدول المخاوف من تَبعاتِ أي عمليةِ اقتحامٍ قد تُنفذها القواتُ الإسرائيلية في مدينة رفح تحت أي ذريعة.
لقد أشار الاتفاق الذي جرت صياغته في باريس بين ممثلي الولايات المتحدة ومصر وقطر بملاحظات يُقال عنها صادمة من «حماس» ورافضة من حكومة بنيامين نتنياهو، ولم يشر في حينها إلى الظلم الواقع على الفلسطينيين وقتل وتشريد وتهجير أهل غزة، واستمرار القتال، بل من ذا الذي أراد خوض هذه الحرب، وما هي الأكاذيب التي طمست الهدف منها؟ ومن يحقق الربح منها؟ وما هي الأسهم التي ستؤدي الحرب إلى ارتفاع أسعارها في البورصة؟ فالتصعيد دخل مرحلة أشد خطورة على حدود مصر، بعد احتمال شن إسرائيل حرباً واسعة ضد «حزب الله» في لبنان مع تصاعد وتيرة الهجمات اليومية المتبادلة وتضمينها عمليات اغتيال متعددة.
بعدما فشلت مساعي بلينكن في جولته الخامسة، في إيجاد أرضيات مشتركة أوسع مع بنيامين نتنياهو، الذي لا ينم عن موقف جاد بعدما عقد مؤتمراً صحافياً منفصلاً عن مؤتمر وزير الخارجية الأميركي ليؤكد رفضه لمساعي بلينكن، ماذا يريد بعد مقتل أكثر من 28 ألف نسمة من سكان غزة، وإلى متى يجامل العالم نتنياهو ويمرر له هذه الجرائم البشعة؟ وهل إعلان الرئيس الأمريكي بايدن أن السلوك العسكري الإسرائيلي في غزة «تجاوز الحد» وبات «مبالغاً فيه» فقط مبالغاً فيه؟ كل هذا الدمار يوجه له انتقاد فقط، حين انتقد وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن عمليات تل أبيب التي تستهدف رفح.
فدعاة الحرب ومؤيدوها يثيرون السخرية فعلاً، وتبقى هذه الحقيقة قائمة ولو بدا بمظهر جاد، فالأكاذيب أظهرت قدرتها على التضليل، وسار نتنياهو في الخط الذي خطط له ورسمه وضرب عرض الحائط انتقادات حليفه الإستراتيجي، وأمر قواته بالاستعداد لـ«حسم المعركة في رفح وإجلاء النازحين» الذين يفوق عددهم المليون فلسطيني، بحجة أنهم يعملون من أجل تغيير الواقع الأمني (مع حزب الله) ومواصلة الاستعداد لتوسيع الحرب وشن الهجوم، لتنفيذ المهمة ونشر الأكاذيب المسوِّغة لمواصلة الحرب، لأنهم يعلمون أن قرارات الأمم المتحدة الرامية إلى نشر السلام ليست سوى قرارات مكتوبة على الورق بالنسبة للقوى الكبرى صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي.
ولكن السؤال الذي طرحته الكثير من الصحف العالمية، حول أهمية رفح في الحرب بين إسرائيل وحماس ظل حائراً بلا إجابة، لأن هذه التبعية الغربية والخضوع لإسرائيل كانا محفزاً للاعتراض والامتعاض لما يحدث في هذه الحرب، بل هو الرفض التام، فالجميع يعلم أن الظلم قد استفحل فعلاً، والكفاح ضد الظلم يؤدي إلى نشر الفوضى في العالم، وعقب هذه التطورات أعرب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، عن قلقه إزاء التقارير التي تفيد بوقوع عمليات قصف وتوغل بري إسرائيلي محتمل على رفح جنوبي قطاع غزة، وإن مكتبه يجري تحقيقاً مستمراً ونشطاً حول الوضع في «دولة فلسطين»، مضيفاً أن مكتبه يمضي قدمًا في هذا الأمر باعتباره «مسألة عاجلة للغاية، بهدف تقديم المسؤولين عن الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي إلى العدالة».