د. تنيضب الفايدي
حسمى اسمٌ معروف قديماً، يطلق عليها حالياً (روّافة)، مع أن روافة يطلق على جبل متصل بحسمى إلا أنها -حسمى- حالياً دخلت ضمن هذا المسمى، أي: أنها روّافة، تقع حسمى بين جبال مدين من الغرب وتبوك وحرة الرهاة من الشرق، وتتخذ هذه الجبال شكلاً مثلثاً يقع رأسه في الجهة الشمالية عند جبل مبارك بالقرب من مدينة العقبة في المملكة الأردنية الهاشمية بينما تتجه قاعدته نحو جنوب المنطقة، ويفصل وادي عفال جبال مدين إلى قسمين، الشرقي منها جبال الشفا، أما الغربي فيسمى جبال الرغامة. وجبال الحسمى من أجمل الجبال حيث التكوينات الرائعة، فكلّ هضبة لها جمالها الخاص. وحسمى لا يمكن أن ينساها من يزورها فلا نظير لها في الدنيا, وحتى من الناحية الجيولوجية فهذه العبارة تنطبق على الواقع، فعبر آلاف السنين كانت هذه الهضبات المتناثرة الحمراء تنحتها الرياح والمطر فتنزف رملاً شديد الحمرة يتلبد بجانبها, حسمى هضاب حمر وشقر وأحياناً تميل للبياض وسط رمل أشد احمراراً. العقد الثمين لدرر تبوك للدكتور/ تنيضب الفايدي (ص19).
كما ربطت حسمى بقصة جميل بن معمر بـ(بثينة)، فقد شاهد هذا الجبل قصة الحبّ بينهما حيث جاء ذكر حسمى في شعر جميل بثينة:
وقالوا: يا جميلُ ، أتى أخوها
فقلت: أتَى الحبِيبُ أخُو الحبيبِ
أحبك أن نزلتَ جبالَ حِسمى
وأن ناسبتَ بثينة من قريب
وقال أيضاً ذاكراً جبال حِسمى:
ألا قد أرى إلا بثينة للقلب
بوادي بَديٍّ ولا بحِسْمى ولا شغب
ولاببراقٍ قد تيمَّمتَ، فاعترفْ
لما أنت لاقٍ، أو تنكّبْ عن الرَّكبِ
أفي كلّ يومٍ أنتَ محدِثُ صَبوةٍ
تموتُ لها، بُدّلتُ غيرَكَ من قلبِ
وذكر ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان (2/ 298) حِسمى بقوله: «حسمى بالكسر ثم السكون مقصور يجوز أن يكون أصله من الحسم وهو المنع وهو: أرض ببادية الشام بينها وبين وادي القُرَى ليلتان وأهل تبوك يرون جبلَ حِسمى في غربيهم وفي شرقيهم شَرَورى وبين وادي القرى والمدينة ست ليال. قال الراجز:
جاوَزنَ رملَ أيلَةَ الدهاسا
وبطنَ حِسمَى بلداً هرماسا
وحسمى أرض غليظة وماؤها كذلك لا خير فيها تنزلها جُذَام. وقال ابن السكيت: حِسمى لجذام جبال وأرض بين أيلة وجانب تيه بني إسرائيل الذي يلي أيلة وبين أرض بني عذرة من ظهر حرة نِهيا، فذلك كلهُ حسمى، قال كثير:
سيأتي أمير المؤمنين دونه
جماهير حِسمى: قُورُها وحُزونُها
تجاوب أصدائي بكلّ قصيدة
من الشعر مهداة لمن لا يُهِينُها
ويقال آخر ماءٍ نَضَبَ من ماء الطوفان حِسْمى فبقيَت منه هذه البقية إلى اليوم فلذلك هو أخبث ماء.
وقال البكري في المعجم (2/ 446): «حسمى بكسر أوله وبالميم مقصور على بناء فعلى موضع من أرض جذام ويقال إن الماء بقي بحسمى بعد نضوب الماء في الطوفان ثمانين سنة وبقيت منه بقية إلى اليوم فهو ماء حسمى». وبعكس هذه الأقوال التي تهجو حسمى قرأت في المخصص قوله حسمى : موضع من أرض جذام وذكروا أن الماء بعد الطوفان بقي بعد نضوبه ثمانين عاماً.
قال أبو علي في المخصص (7/ 257): «وحسمى هذه أطيب بلاد العرب وأخصبها. وقد جاء ذكر حسمى في أشعار شعراء العرب، قال عنترة:
سيأتيكم عنى وإن كنت نائيا
دخان العلندى دون بيتي مِذودُ
قصائد من قيل امرىء يحتديكم
وأنتم بحسمى فارتدوا وتقلدوا
وتوصف في بعض المراجع ( إذا أراد الناظر النظر إلى قُلة أحدها قتل عنقه حتى يراها بشدة)، ومنها مالا يقدر أحد أن يراه ولا يصعده، ولا يكاد القتام (الضباب) يفارقها، وقال النابغة:
فأصبحَ عاقلاً بجبال حسمى
دُقاق الترب محتزم القَتَام
وفي لسان العرب: وحسمى بالكسر : أرض بالبادية بها جبال شواهق لا يكاد القتام يفارقها قال كثير:
وقحم سيرنا من قور حسمى
مَروت الرعى ضاحية الظلالِ
وقد جاء ذكر حِسمى في كتب السير حيث جاء ذكر حِسمى في إحدى سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى سرية زيد إلى حِسْمى : وقعت هذه السرية في جمادي الآخرة من السنة السادسة للهجرة حيث أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حِسمى وهو أرض وراء وادي القرى من جهة الشام وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل رسالة إلى قيصر مع دحية بن خليفة الكلبي يدعوه إلى الإسلام فأعطاه جائزة وكساه، وأثناء العودة لقيه الهنيد بن عارض فأخذ كل شيء كان معه عند حِسمى فسمع بذلك نفر من بني الضبيب رهط رفاعة بن زيد الجذامى ممن كان أسلم فاستنقذوا ما كان في أيدهم وردوه على دحية. قدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ما حدث فبعث زيد بن حارثة مع 500 رجل فهجموا على القوم وقتلوا الهنيد وابنه وأخذوا ماشيتهم ثم جاء رفاعة بن زيد الجذامى في نفر من قومه فدفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه الذي كتبه له ولقومه حين قدم عليه فأسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً على زيد فردّ عليهم كلّ ما أخذ منهم. محمد رسول الله لـ: محمد رضا (ص246).
كما ذكرت حسْمى في طرق الحج، يقول الجزيري في كتابه ( الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة): «ومن المخارس إلى أرض حسما بالقرب من الأسطبل من وراء موضع يقال له الصفحة».
ويصف فلبي حسمى من حيث كثرة ما في صخور جبالها من الكتابات والنقوش الأثرية بأنها عبارة عن مكتبة ومتحف للصور، يعرض فيها أدب العرب الأقدمين وفنّهم، وهي غنية بالآثار إذا ما قورنت بمنطقة تيماء وما جاورها. أرض مدين لـ: فلبي (ص225).
وقد وجد فلبي فيها في حرة الرحا المتصلة بحسمى في روافة معبداً قديماً فيه كتابات نبطية، ويونانية يرجع تاريخ بعضها إلى سنة 165 بعد الميلاد، وذكر أن الأستاذ خالد الفرج زار هذا المعبد فيما بعد ونقل ما فيه من نقوش نبطية ونقل نقشاً يونانياً مهماً، وآخر أصابه عطب شديد من جراء محاولة تجزئته ليصبح قابلاً للحمل ويبعد مكان هذا المعبد عن تبوك 110 أكيال. في شمال غرب الجزيرة للجاسر (ص518).
كما ورد بأن حسمى بنيت تمجيداً وتقديراً للرومان من قبل الثموديين، حيث إن الرومان قد سيطروا على المناطق الشمالية الغربية في الجزيرة العربية، كما ورد نص يثبت ذلك مكتوب باللغتين النبطية واليونانية في معبد روافة. وهذا يعني أن حسمى (روّافة) عبارة عن منطقة أثرية وتاريخها موغلة في القِدم، وقد ذكر فلبي ذلك المعبد عندما كتب بأنه وجد معبداً قديماً فيه كتابات نبطية ويونانية يرجع تاريخ بعضها إلى سنة 165 بعد الميلاد. وقد سلبت بعض الآثار من روافة في وقت من الأوقات مثل ما سلبت مسلة تيماء. ولم تتابع تلك المسروقات من آثار الوطن الحبيب.
ومعبد روافةّ يقع على هضبة حسمى إلى الجنوب الغربي من مدينة تبوك باتجاه طريق ضباء، وهو معبد مبني بالحجر عثر بين أنقاضه على نقش تأسيسي كتب بالخطين اللاتيني والنبطي، يشير بناء هذا المعبد إلى الثموديين تخليداً لذكرى الإمبراطورين الرومانيين ماركوس آليوس أنطونيوس ولوسيوس آليوس فيروس سنة 165م. آثار منطقة تبوك للتيمائي وآخرون (ص108).
وهكذا يعتبر الكاتب جبال حسمى بأنها عبارة عن مكتبة ومتحف للصور، حيث تختزن عدداً هائلاً من النقوشات والرسومات الصخرية،مع الطبيعة الجميلة والتكوينات الصخرية الساحرة الخلابة والتي ستنفرد بجمالها في مدينة نيوم.