سهم بن ضاوي الدعجاني
قبل أكثر من نصف شهر، صرخت الطفلة الفلسطينية «ليان» بلهجتها الطفولية المرعوبة: «عمو قاعدين بطخوا علينا، الدبابة جنبنا، إحنا بالسيارة وجنبنا الدبابة»، وبعد ذلك سمع صوت إطلاق وابل من الرصاص، بينما كانت ليان تصرخ وتصرخ، لينقطع الاتصال معها» و»ليان» هذه، التي صرخت وصرخت حتى بح صوتها ولم يسمعها العالم الحر، هي ابنة خال الطفلة «هند رجب» ذات الست سنوات التي ماتت وخمسة من أفراد عائلتها والطاقم الإسعافي بعد محاصرة المركبة التي أقلتهم في منطقة «تل الهوى» جنوب غربي مدينة غزة، وعثر على جثتها وجثث من كان معها في المركبة، هكذا يروي للعالم «شريط الحرب» الذي يصبح ويمسي عليه أطفال غزة، والألم منتهى الألم أن الذي عثر على جثة الطفلة هند رحمها الله أفراد أسرتها المفجوعة وليس جهود الإغاثة من قبل المنظمات العالمية الإنسانية، وهذه الزاوية المؤلمة، تفتح أنظار العالم على المشهد الفلسطيني في غزة: استهداف مستشفى الأمل ومستشفى آخر في خان يونس ومصادرة المعدات والأجهزة واعتقال الطواقم الطبية وإهانتهم وقبل ذلك، اعتقال الجرحى واستهداف المنظومة الصحية في قطاع غزة، وما ترتب على هذا كله من مستقبل مجهول للأطفال في قطاع غزة الذين تركوا المدارس والتعليم، والأكثر ألماً أولئك الأطفال المصابون بالسرطان في ظل هذه الوحشية للجيش الإسرائيلي، باتوا لا يطمحون إلى الشفاء والحصول على العلاج، بل هم ذويهم ومنتهى آمالهم هو: كيف يخففون آلامهم الجسدية فقط تحت وطأة الألم الكبير داخل الوطن الذي تحولت جهاته الأربع إلى ساحات حرب وذعر، تحت نيران القصف المستمر والرعب المتجدد ليل نهار، هناك في كل شبر من غزة، ولكن محطات الأخبار العالمية مستمرة في ضخ المزيد والمزيد من أخبار الدمار والوحشية تجاه الأطفال والمدنيين العزل: نتنياهو يستعجل «اقتحام» رفح، ويأمر الجيش الإسرائيلي بالاستعداد لإخلائها، هذه زاوية من خارطة «أم المآسي» في غزة.
السؤال الحلم: ماذا سيفعل المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية، للحيلولة دون المزيد من القتل والتهجير والدمار للأطفال في غزة؟ وما ذا سيفعل لحماية الناس العزل والأطفال الأبرياء ومراكز الرعاية الطبية الفلسطينية وطواقم الهلال الأحمر الفلسطيني من استهداف وحشية وهمجية الجيش الإسرائيلي؟ لعل تلك الطواقم تواصل جهودها المتواضعة لتخفيف الألم فقط «تخفيف» فقط, وإنقاذ ما يمكن إنقاذه تحت نيران الجيش الإسرائيلي الذي لا يستمع لصوت العقل، بل يعيش اضطراباً وقلقاً داخل مؤسساته على كافة المستويات وهنا تذكرت ما قاله الكاتب والباحث في العلاقات الدولية سالم اليامي في برنامج «الموقف» في «قناة السعودية»: إن الجيش الإسرائيلي لم يشن حرباً مفتوحة وطويلة منذ عام 1948م وأن الداخل الإسرائيلي يتجاذبه في هذه الحرب الشرسة صراعات السياسيين والعسكريين والاستخبارات الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي، وهذا ما جعل مساعدي الرئيس الأمريكي «يحثونه»، تصوروا يحثونه فقط على انتقاد «نتنياهو» علناً.
وأخيراً ستبقى جثة «هند» الصغيرة، تجسد مأساة غزة ليس للأجيال القادمة فقط، بل للأجنة في الأرحام.