خالد بن حمد المالك
لا يُساورني أدنى شكٌّ بأن الولايات المتحدة الأمريكية غير جادة في إيقاف القتال في غزة، وأنها من خلال إمداد العدو الإسرائيلي بالأسلحة تضع نفسها طرفاً في هذه الحرب، وأذهب إلى أبعد من ذلك وأقول: إنها مترددة وليست متحمسة لإقامة الدولة الفلسطينية وإن قال مسؤولوها بأنهم مع خيار الدولتين.
* *
وحتى أكون على خطأ في تقديراتي، وقراءاتي للموقف الأمريكي لتتوقف أمريكا عن استخدام (الفيتو) ضد أي قرار يُصوّت عليه لإدانة إسرائيل على جرائمها، ولتحظر تصدير الأسلحة إلى تل أبيب التي يتم تزويد الجيش الإسرائيلي بها دون قيود، بل ولكي تثبت مصداقيتها فعليها أن تعترف بالدولة الفلسطينية، وتشرع مع حلفائها بالبدء في التنفيذ.
* *
ما أراه أن سلوك أمريكا يشوبه التأكيد وليس الشك في أنها تدعم التوجّه الإسرائيلي، وتعادي الموقف الفلسطيني الذي يطالب بحقوقه المشروعة، ما جعل إسرائيل تتمادى في عدوانها، وترفض قيام دولة للفلسطينيين، وتمارس القتل ضد المدنيين بشكل ممنهج، وبما يمكن وصفه بأنه يتم في حرب إبادة على أرض محتلة، وتطهير عرقي لا مثيل له في جميع الحروب والقتال على مستوى العالم.
* *
عدم الاستقرار في المنطقة بدءاً من إسرائيل وفي سوريا والعراق ولبنان واليمن سببه الاحتلال الإسرائيلي، وسببه الموقف الأمريكي المعادي لقيام الدولة الفلسطينية، وسببه عدم التزام إسرائيل بما يخصها من القرارات الدولية، بفضل دعم الولايات المتحدة الأمريكية ومناصرتها لإسرائيل على ادعاءاتها الباطلة.
* *
تتحدث الولايات المتحدة الأمريكية عن أن مبادئها تقوم على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأنها تجرّم أي تصرف أو سلوك في أي بقعة في العالم لا يلتزم بذلك، وحين نفتش عن السلوك الأمريكي لا نجد غير أنها تطبقه بانتقائية، وبما يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل، بدليل ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة الآن، وما فعلته من جرائم منذ 75 عاماً وإلى اليوم، فأين أمريكا من كل هذا؟.
* *
في تصريحات أخيرة للرئيس الأمريكي أنكر على إسرائيل ما تقوم به في رفح من حرب، وقبل ذلك ما يقوم به المستوطنون بالضفة الغربية من اعتداءات، بل وأصدر عقوبات على عدد من المعتدين، وهدّد بالمزيد إن استمروا، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي وأعضاء حكومته سارعوا بإنكار تصريحات الرئيس الأمريكي، وإنكار إن كان أحدٌ من المستوطنين قد فعل ذلك، دون أي ردود فعل من الرئيس الأمريكي.
* *
خلاصة الكلام نريد الأفعال لا الأقوال، ننتظر الجدية في الشروع بالإعلان عن الدولة الفلسطينية، وإلزام إسرائيل بها، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية منذ قرار التقسيم، وما تلاه من قرارات، ونريد حتى نتثبت من مصداقية الولايات المتحدة إصدار قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الغذائية والصحية والمحروقات إلى الشعب المحاصر في قطاع غزة، وإلزام إسرائيل بسحب قواتها فوراً دون (فيتو) من أمريكا.
* *
وبعيداً عن لعبة الانتخابات الأمريكية، وسطوة الإعلام الأمريكي الذي هو جزء من الدعم لإسرائيل، وبعيداً عن اللوبي اليهودي والمال الذي يمد به إسرائيل، آن الأوان لخروج أمريكا من السجن الإسرائيلي، وآن لها أن تتحرر من التبعية لإسرائيل، وليس العكس، لتكون بذلك دولة مهابة، وغير مكروهة، وعادلة، ومُنصفة، ومُناصرة للحق.
* *
الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية لن تتوقف، ولن تنكسر إرادة الفلسطينيين، وسوف تتواصل ما بقي الاحتلال، ومهما كان حجم الإبادة، وأعداد القتلى، وآلاف من يقبعون تحت التعذيب في سجون إسرائيل، فمتى نرى السلام والاستقرار والأمن يسود منطقتنا، وينتهي الظلم الذي طال مداه، والقهر ضد أصحاب الحق الأبلج الواضح وضوح الشمس في وسط النهار؟