د. أحمد محمد القزعل
تتواصل السعادة في نطاق الأسرة عندما يرى الأب والأم أولادهما بخير وسعادة وطمأنينة، ويكون ذلك بتعميق علاقات التسامح والالتزام بتعاليم الدين الحنيف بين الزوجين منذ بداية زواجهما، وإن الطفل الذي يتلقى رعاية وتربية أخلاقية سليمة في بيئته المنزلية، سيكون أكثر قوة في مقاومة الأمراض الاجتماعية المنتشرة في المجتمع، وسيكون محصناً من الانحلال والفساد ووسائل الإغراء الأخرى، ولقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، والروح الإنسانية تنمو وتزدهر بالتربية الصالحة والعطف والحنو، كما تنمو الأجسام بالطعام والشراب، ونمو الروح متواصل طالما الإنسان يأخذ النفس ولا يتوقف نمو الروح الإنسانية إلا إذا خمدت نفس الإنسان بالموت.
إن تنظيم المهمات الأسرية كلٌّ في اختصاصه من أهم معالم التربية الأسرية الصحيحة ولكل منا مهمته في هذه الدنيا، فمهمة الوالدين: إنشاء الأسرة السعيدة ورعاية الأولاد في كل مراحل العمر منذ ما قبل الولادة حتى نهاية الحياة، ومهمة الأولاد: طاعة الوالدين والتعلم منهما والأخذ عنهما، ومهمة الأجداد: تجميع الأولاد والأحفاد وتوجيه النصح من خلال سرد القصص والتجارب التي مروا بها؛ لينتفع بها أولادهما وأحفادهما، وهذا العمل والاجتماع عند الأجداد من أهم عوامل تعميق الأواصر الاجتماعية وخلق الدفء وتنمية عنصر الحنو عند الأحفاد.
إن وظيفة تربية الأولاد هي الوظيفة التي لا تحتاج إلى شهادة أو رخصة رسمية وهي مسؤولية كل أم وأب؛ لذلك لابد من حفظ هذه الوظيفة وتنظيمها وفق ما يحب الله لعباده من إنشاء حياة أسرية كريمة قويمة يملؤها الدفء والحنان والإخلاص والعمل القويم، ولا بد من إتعاب النفس وبذل الجهد والعمل الدؤوب في إصلاح الأطفال وحسن تربيتهم، فصنعة الإنسان غالية إنها صنعة الأنبياء، ولقد قرر الغزالي في رسالته أيها الولد ذلك فقال: «إن معنى التربية يشبه عمل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع؛ ليحسن نباته ويكمل ريعه» فالأطفال بطبعهم ميالون للمحاكاة والتقليد، ويرغبون في تقليد أقرب الناس إليهم، وهل هناك أقرب للولد من أمه وأبيه؟؛ لذلك فالأولاد يراقبون سلوك الكبار والوالدين على وجه الخصوص، ولننظر إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عندما كان صغيراً، فذات مرة شاهد من يقوم الليل ويصلي أمامه، فسارع عبد الله لتقليده والاقتداء بما فعل، روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند خالتي ميمونة ليلة، فنام النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في بعض الليل، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوضأ من شن معلق وضوءاً خفيفاً، يخففه عمرو ويقلله، ثم قام يصلي، فقمت فتوضأت نحواً مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فحولني فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء الله» (صحيح البخاري). وفيما رواه النووي عن الشافعي عن فضيل ابن عياض قال: قال داود عليه السلام: «إلهي كن لابني كما كنت لي، فأوحى الله تعالى إليه يا داود قل لابنك: يكن لي كما كنت لي أكون له، كما كنت لك.
ومن الشائع في مجتمعاتنا أن البنت تحتاج لوالدتها أكثر من حاجتها لوالدها وأن الابن يحتاج لوالده أكثر من حاجته لوالدته، فهل يمكن أن تكون الأم بديلاً عن الأب في التربية الأسرية؟ بدايةً: فإن الأب والأم كلاهما على حد سواء لا يمكن الاستغناء عنهما لإنشاء أسرة سعيدة فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق، وإن كان فقد الأم أشد قسوة من فقد الأب، فهذه جبلة بشرية قد فطر الناس عليها، ولقد سمت العرب قديماً فقيد الأب باليتيم وفقيد الأم باللطيم، وإنه في الوقت الذي تحتاج فيه البنت لحنان والدتها، فهي تحتاج إلى والدها الذي يمدها بعوامل قوة الشخصية وحسن التعامل مع الذكور عامة، كما أن الولد بحاجة لحنو والدته وصدرها الدافئ دائماً، وبالنتيجة: فإن الأم والأب كلاهما يكمل الآخر وهما مصدر العطف والقوة لأولادهما ولا يمكن الاستغناء بأحدهما عن الآخر في نطاق التربية الأسرية.
إن التربية مهمة شاقة تحتاج لصبر وحكمة وعلم؛ ليجني الآباء والأمهات ثمرة تربيتهم في أولادهم، فكما يخاف الوالدان على أبنائهما من برد الشتاء وحر الصيف، فلابد من الخشية عليهما من الوقوع في نار جهنم؛ لذلك التربية الأسرية الإيمانية هي القاعدة الأسمى والنموذج الأصح لتربية الأبناء.