سمر المقرن
الورقة التي تسقط في فصل الخريف خائنة في عيون أخواتها وفية في عين الشجرة ومتمردة في عيون الفصول فالكل يرى الموقف من زاويته.. هذه مقولة شهيرة للروسي مكسيم غوركي. تبدو جيدة في الحث على التفكير بأن أكبر الخاسرين من يمضي حياته وهو يحاول أن يُدرك رضا الناس, ليس معنى ذلك ألا يكون متعاوناً ولكن أحياناً المشاعر الزائدة مضرة، فمن الصعب أن يعيش الإنسان في بوصلة الآخرين متناسياً ذاته ومشاعره، عندها قد يسقط تحت عجلات قاطرة محاولة إرضاء الآخرين على الدوام فقد يفقد سلامه النفسي بل وحياته ولن يرضي الناس. نماذج محاولة إدراك رضا الآخرين كثيرة، فتلك الزوجة القوية الفدائية أو أم سبعة أرواح كما يلقبها الآخرون جنت على نفسها عندما ظلت تتحمل كل الأدوار الحياتية كسيدة بيت وموظفة وطبيبة نفسية وسائقة وطاهية وممرضة إلخ، بينما الطرف الآخر يتلذذ بهذا «الأخذ» فهي مطالبة دوماً بأن تقوم بواجباتها وأن تحافظ على السبعة أرواح التي تعمل بهن حتى إذا ما ماتت روح من أرواحها السبعة لسبب قهري أو لتعب أصابها، وقتها قد يصفها الطرف الآخر بأنها متخاذلة ومقصرّة، وذلك لأنها عوّدت الآخرين على العطاء وحملّت نفسها فوق طاقتها.
وذلك الموظف الذي ارتضى أن يؤدي مهامه الوظيفية ورغبة في إدراك رضا الناس قام بمهامهم هم أيضاً، ولو فكر يوماً تحت وطأة التعب أو الملل أن يتخلى عن مهامهم فسوف يتهمونه بالكسل والإهمال والتخاذل وسيتم نسيان كل ما قدمه. لا مانع أن يكون الإنسان متعاوناً خدوماً ومعطاءً، ولكن ليس عليه إدراك رضا الناس وهم تختلف مشاربهم وأفكارهم وأذواقهم.
مؤخراً طالعت بحثاً نشرته إحدى المجلات الأمريكية للكاتبة والباحثة الأمريكية كريستينا ماستروكولا، عن إرضاء الناس ملخصه أن الإنسان إذا نشأ في بيئة مريضة مليئة بالشجار بين الوالدين مثلاً فسوف يتولد في أعماقه الرغبة الدائمة لإرضاء الجميع ولو على حساب نفسه، غاضاً الطرف عن سعادته وحالته النفسية، عندها يقع أسيراً للخوف والتخبّط والسعي وراء سراب رضا الناس الذي لن يحدث حتى لو منحه ذلك سعادة زائفة أو مؤقتة, فهو ليس مطالباً بإعطاء الآخرين بلا حدود طوال الوقت سعياً لإرضائهم، لأنه سوف يأتي يومٌ لأي سبب لن يكون قادراً على العطاء، عندئذٍ تتساقط العلاقات المزيفة المعتمدة على المصالح والمنفعة، وقتها قد يتحول «المعطاء» إلى عدو لأنه توقف عن إرضائهم تلك الغاية التي لن تدرك أبداً.