د. نايف هشال الرومي
أن تكون ضمن أفضل عشرين دولة في الاقتصاد العالمي (G20) فهذا شيء مميز جداً، إلا أن له متطلبات من ضمنها أن يكون لديك تعليم مميز في جودته ومنافس عالمياً، من هذا المنطلق كانت أحد أساسات رؤية المملكة 2030 ارتفاع جودة التعليم، ولأجل هذا جاء برنامج تنمية القدرات البشرية، وهو أحد البرامج الأساسية للرؤية، بكافة أهدافه ونشاطاته التي تعزّز وتقود إلى تحقيق أهداف الرؤية في التعليم. في المقالات التالية سنتحدث عن التعليم وتأثره بجائحة كورونا ودور التقنية في التعليم وإعادة بناء النظام التعليمي وأخيراً المعلم ودوره ومكانته.
لقد تسببت جائحة كورونا في حدوث تغييرات مفاجئة وعميقة في كل دول العالم، وفي جميع مناحي الحياة الأساسية والتي منها التعليم حيث جاء إغلاق المدارس مصاحباً لحالة الركود الأطول في العالم. لقد أظهرت الجائحة في عدد كبير من دول العالم ضعف الاستعداد التعليمي في بعض الجوانب وقوته في جوانب أخرى.
أظهرت الجائحة بعض السلبيات التي من أبرزها وأكثرها أهمية ما يسمى بالفاقد التعليمي والذي يقصد به «ما يحصل عليه المتعلم من معرفة ومعلومات ومهارات أقل بكثير مما هو مخطط له»، حيث زاد الفاقد التعليمي بين الطلاب في أغلب دول العالم إن لم يكن جميعها، إذ تسبب إغلاق المدارس ما بين 20-40 أسبوعاً متواصلة في ذلك، حسب ما أثبتته الدراسات، ففي دراسة أجرتها اليونسكو تبين أن اثنين من كل خمسة طلاب يعانون من نقص كبير في التعليم, وفي دراسات دولية عدة سواءً أثناء الجائحة أو بعد عودة الطلاب لمقاعد الدراسة من ضمنها دراسة أجرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD (2020 تبين أن تحصيل الطلاب والمستوى المعرفي في الرياضيات والعلوم والقراءة تراجع بشكل متفاوت بين الدول إلا أن المتوسط العالمي للفاقد التعليمي من 3-5 سنوات حسب المرحلة الدراسية في التعليم العام.
وفي دول الخليج وعلى الرغم من عدم وجود دراسات معلنة إلا أن التقارير الصادرة عن نتائج الاختبارات الدولية مثل التميز (Timms) والبيزا (Piza) وغيرها التي تشارك بها دول الخليج أثبتت أن متوسط الفاقد التعليمي للطلاب بين 2-3 سنوات بمعنى أن الطالب في الصف الأول متوسط مستواه المعرفي في العلوم والرياضيات والقراءة هو في الواقع كطالب الصف الرابع أو الخامس الابتدائي، ولهذا يمكننا التوقع أنه بسبب الجائحة ازداد الفاقد التعليمي عما كان عليه قبلها.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التعليم وسعيها إلى تحقيق أهداف ومبادرات برنامج تنمية القدرات البشرية فيما يخص عملية التعليم والتعلم، إلا أن هذا الأمر والتحدي يحتاج معه في ظني إلى ترتيب الأولويات وفق الآتي:
أولاً: بناء إستراتيجية تعليمية عالية التركيز قصيرة ومتوسطة المدى تركز على معالجة النقص في المعارف والمعلومات والمهارات التي حصل عن الطلاب، بعد تحليل ودراسة الواقع لتحديد أولويات التعلم ذات الفقد التعليمي الأكبر على أن تتضمن ما يلي:
1 - استجماع كل طاقة وزارة التعليم وتوجهها بشكل مركز لمعالجة الفاقد التعليمي وإعادة التعليم والتعلم داخل المدرسة إلى نشاطه بجودة عالية.
2 - تأجيل تطبيق أية برامج أو مشروعات جديدة ذات التأثير الكبير حتى يتم معالجة الواقع التعليمي الجديد بعد الجائحة.
3 - تطوير وتنمية المعلمين والمعلمات بدورات تدريبية مركزة على:
أ- تحقيق الأثر التعليمي المباشر.
ب- آليات تخفيض الفاقد التعليمي.
ج- زيادة كفاءة التدريس.
4- بناء برنامج نشاط تعليمي ما بعد المدرسة وخاصة في المقررات الدراسية.
5 - بناء برنامج شامل وعالي التركيز على المشاركة المجتمعية وخاصة الأسرة.
ثانياً: الجائحة أظهرت أهمية المدرسة كمبنًى يحتضن عملية التعليم والتعلم بأنشطتها المختلفة لتزويد الطلاب ليس فقط المعرفة والمعلومة بل ببناء العلاقات الاجتماعية وتنميتها وتعزيز القيم وتحقيق الانسجام المجتمعي سعيًا لتحقيق التكافل والاستقرار في المجتمع، إذ إن أهمية المدرسة تتطلب إعطاءها مزيدًا من الاستقلالية مع تحملها مسؤولية أكبر وبناء نظام محاسبي وتقويمي متكامل، وجعل المدرسة وحدة التطوير والطالب هو محور عملية التطوير بل هو محور عملية التعليم والتعلم.
ثالثاً: من الجوانب الأكثر إيجابية للجائحة أنها أظهرت وبشكل واضح أهمية المعلم والدور الذي يقوم به، وأن التدريس كمهنة والمعلمين كمحترفين لها ينبغي أن ينالوا درجة عالية من الاهتمام والتدريب والتقدير. حيث إن تحقيق التقدير العالي لدور المعلم يقود إلى علاقة تعليمية إيجابية ومميزة بين الطلاب ومعلميهم، كما يتيح المشاركة الفاعلة للأسرة مما يقود إلى تعاون عالٍ بين الركائز الرئيسة الثلاثة للتعليم والتعلم: المعلم والطالب والأسرة، ومع تطور التقنية وتطبيقاتها تسهل عملية المتابعة والتواصل بين الأطراف الثلاثة. كما يتطلب إعطاء المعلم دورًا أكبر مع استقلالية متدرجة ومساحة أكبر لتحقيق نقل المعرفة والمعلومة للطلاب بشكل يسهم في تخفيض الفاقد التعليمي ورفع مستوى تحصيلهم الدراسي.
إن التعليم قبل الجائحة كان يواجه تحديات واضحة مع ضغط مجتمعي دون تفاعل منه، بعد الجائحة أصبحت التحديات أكثر تعقيداً وذات متطلبات تقنية وتطبيقات عالية، فضلاً عن ارتفاع وتيرة التنافس في سوق العمل، وأصبح التوظيف تحديًا، مع تنافس عالمي منفتح يتيح للجميع المشاركة فيه؟ بسبب العولمة والتحولات التقنية العالية.