خالد بن حمد المالك
مثلما مضت ثلاثة قرون على تأسيس الدولة السعودية، تمضي بنا السنون محملة بالإنجازات والانتصارات والتطور والتجديد والابتكار، يقودها الخلف عن السلف منذ الإمام محمد بن سعود وحتى الملك سلمان، مع ما صاحبها من تحديات كبيرة، ومؤامرات أجنبية، وحروب لا تريد لبلادنا أن تقوم لها قائمة، لكن الرهان والغلبة على ذلك كان أخيراً لدى عبدالعزيز - رحمه الله- الذي استعاد حكم الآباء والأجداد، ووحَّد المملكة منذ قرن، لتزهو بما هي عليه الآن من تطور وتقدم وإبهار في عهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان.
* *
المملكة أنجزت أكثر مما كان سيتحقق في 300 سنة، والشواهد أمامنا، يراها المواطنون، وغير المواطنين، الأصدقاء والأعداء، المحبون والحسدة، الحاقدون والمنصفون، من يغيظه ما نحن عليه، ومن يسرّه ويسعده ذلك، فقد بُنيت على أسس صحيحة، وخُطِّط لها لكي تكون دولة معاصرة وحضارية، دون أن تفقد هوية التأسيس، وتراث الأجداد، أو أن تكون رهينة لتقليد الغير، ومحاكاته فيما لا مصلحة لنا فيه، أي أننا نقود العالم، لا ننقاد له، بالقيم، والشجاعة، والتخطيط، والرؤية الصحيحة لما نحن عليه.
* *
يوم التأسيس في ذكراه، يعرِّفنا بقصة ملحمة تاريخية، ويقرِّبنا إلى ما فعله الأجداد من بطولات ليُسعدوا الأحفاد بكل ما نراه ونعيشه الآن، وهو ما لم يحدث في أي دولة أو بقعة على الأرض كما هو في مثل حالنا، ما يعني أن علينا أن نرسخ في أذهاننا كل هذه التفاصيل الدقيقة عن هذه الرحلة المشعة بالانتصارات، فقد كان الصبر سيد المواقف على خسائر جولة، بانتظار الانتصار بالجولات الأخرى دون يأس، إلى أن استتب الحكم لعبدالعزيز الملك الموحِّد، والقائد الذي كان همه أن ينتصر لحقوقه وحقوق شعبه، وأن يوحِّد هذه الرقعة المهمة من العالم في دولة واحدة، بأقل الإمكانات، تحفه رعاية الله، وإخلاص الرجال الموالين.
* *
في العام 1139هـ - (1727م) كانت بداية التأسيس للدولة السعودية بين صعود وهبوط، خسارة وانتصار، والعزم باق، والتصميم مستمر، ولا خيار آخر عن قيام هذه الدولة، مهما كلّف ذلك من ثمن، ومن يوم التأسيس بقيادة الإمام محمد بن سعود الذي نحتفل غداً بذكرى هذه المناسبة، وامتداداً إلى يوم الوحدة والتوحيد بقيادة الملك عبدالعزيز، إلى الحاضر الزاهي بقيادة سلمان بن عبدالعزيز ومحمد بن سلمان، ونحن في سباق مع الزمن، نسرع الخطى، نزيد من الجهد، حتى بلغنا ما بلغناه من تطور غير مسبوق، ومن إنجازات لا مثيل لها في دولة أخرى.
* *
المعركة لم تنته عند يوم تأسيس الدولة السعودية، وتداعياتها المبكرة، وإنما استمرت ولا تزال من أجل بناء دولة لا تتوقف عند حدود ما تحقق، فالمشوار طويل، والعمل المنجز كبير، والتطلع والطموح من أجل ما هو أعظم، وسوف يتحقق بعون الله وتوفيقه، فما يجري في بلادنا أذهل الجميع من أصدقاء وأعداء، وأصبح يُضرب بها المثل، ويُحاكى، وكل يتمنى أن يحدث في بلاده حراك يماثل ما يجري في المملكة، وأن يرى دولته تتحرك متأثرة بالمنجز السعودي الهائل.
* *
معركة المملكة حالياً - وقد نجحت- تتمثَّل في التصدي للفساد المالي والإداري، وفي إعطاء المرأة حقوقها بعد عقود من الانتظار، ومهمة المملكة الآن أن تكون دولة سياحية، وأن تكون الألعاب الرياضية فيها تماثل الدوريات في أوروبا، وتعمل من أجل جودة الحياة بالترفيه والانفتاح وتوفير مجالات الاستمتاع، مهتمة بالتراث، وبالبيئة، وخلق مشاريع جديدة، بمثل ما يتم الآن في القدية، والدرعية، ونيوم، والعلا، وجزر البحر الأحمر، والسودة، وحديقة الملك سلمان، وطريق الأمير محمد بن سلمان، والممر الرياضي، ومطار الرياض، و(الداون تاون الجديد) بالرياض، والقائمة تطول.
* *
مع ذكرى يوم التأسيس، نسعد، ونفرح، ونفاخر، ونتحدث بلغة هذا الإنجاز التاريخي العظيم، مع أن التأسيس أكبر من الكلام، له عمق في قلوبنا ومشاعرنا، والمحبة والتقدير لمن كان وراء تأسيس الدولة من الأجداد والآباء، والشكر العظيم للأحفاد الذين يواصلون العمل بهمة عالية لاستكمال هذا المشوار الجميل وتحديداً في عهد وضع العالم أمام دولة أنيقة ومبهرة بقيادة سلمان بن عبدالعزيز ومحمد بن سلمان.