أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
يحق لنا أن نُمجِّد الإمام المؤسس محمد بن سعود فهو جدير بذلك, لقد أرسى الدعائم وبدأ في بناء دولة مع أن الكيانات حوله تتصارع في وادي حنيفة فإمارة آل معمر في أعلى الوادي وإمارة آل يزيد في ضفة الوادي، والقبائل تميل إلى القوي لعلها تشاركه في الكسب وأخذ الغنيمة، لقد استفاد الإمام محمد بن سعود من الأحداث التي صحبها مكائد وغدر وخيانات فهو في غمرتها ولكن مهارته أنجته من الهلاك فصمم على مصارعة المحيطين به، ومالأ القبائل بالمال وإفساح المجال لماشيتهم بالرعي وورود الماء في الصيف فنال الشرف عند القبائل وذاعت شهرته في الدرعية وفي وادي حنيفة عامة، والسمعة الحسنة أكثرت الوافدين على الدرعية لطلب الرزق والبحث عن العمل، والوافدون فيهم التاجر الذي يسوق بضاعته وصاحب الدِّين الذي يؤثر في الناس بدعوته وسلوكه الحسن وفيهم أصحاب الحرف من حداد ونجار وصانع فنمت الدرعية وتوسعت، وبما أن الإمام محمد بن سعود صاحب موهبة في إدارة الحكم وفض المنازعات التي تحدث بين الناس فقد أحبه الناس ورضوا بحكمه وإدارته فمجده الناس في المجالس وسار بسمعته الحسنة الخارجون من الدرعية إلى القرى المجاورة ومساكن القبائل، فأصبحت المنافسة مع المجاورين لم تقتصر على المنافسة الحربية وإنما امتدت إلى التمجيد فهو صاحب القدح المعلى في وادي حنيفة..
فسارت الركبان بإذاعة مجده ونشر خصاله الحميدة، فالمجد صاحبه وسمو الفعل اقترن به، ففرض الإمام محمد بن سعود شخصيته الفذة على الآخرين مما أعجزهم عن مجاراتها أو الاقتراب من مكانتها، لقد حقق المجد في سنوات قليلة وتحقيق المجد أمنية كل أمير ولكن الوصول إليه أمر شاق، هذه الموهبة التي منحها الله للإمام محمد بن سعود هي التي فتحت الطريق لبناء الدولة السعودية في أيامها الأولى، فالمال أتاح له الكرم والشجاعة أنقذته في ظرف هلك فيه رفاقه والحكمة قربت الناس منه والتمسك بأمور الدين جلب له الاحترام، إن التأسيس لم يقدم للإمام محمد بن سعود على طبق من ذهب وإنما اكتسبه المؤسس بالمجد الذي أذاعه الداني والقاصي لحاكم الدرعية فالمجد هو قاعدة التأسيس.
إننا اليوم نذيع مجد التأسيس في مدارسنا وجامعاتنا وندواتنا ففي كل مدينة ندوات التأسيس وفي كل صحيفة حديث عن التأسيس والهدف من ذلك امتداد المجد الذي اقترن بالدولة السعودية، لقد اندفع الناس لإذاعة مجد التأسيس بدون أمر من الدولة لأن أبناء المملكة يرغبون في إذاعة المجد وترديد اسمه ما أمكنهم ذلك..
واختيار هذا اليوم ذكرى لتأسيس الحكم في الدولة السعودية هو من التفاتات الملك سلمان ومبادراته فالملك سلمان قارئ ومتابع للإعلام العالمي قبل أن يكون ملكاً وبعد أن تبوأ كرسي المملكة، لقد التفت إلى تجديد وسط الرياض مع الاحتفاظ بمعالمه التاريخية فأنشأ أسواق المعيقلية وأسواق المقيبرة وجدد بناء قصر الحكم وبناء المسجد الجامع فعاد التجار إلى فتح متاجر لهم في وسط الرياض بعد الانصراف عن قلب المدينة سنين عديدة، فدبت الحياة من جديد إلى قلب الرياض وأصبحت هذه المتاجر تخدم الأحياء الجديدة في غرب الرياض كما أنها تخدم أحياء وسط الرياض والأحياء الأخرى بقدر، إن من يسير اليوم في وسط الرياض لتغمره البهجة ويرتاح لهذا التجديد الذي هو من صنع الملك سلمان، ومن التفاتات الملك سلمان تسمية الحي الذي تكثر فيه الصحف ومطابعها وموظفوها وكتابها حي الصحافة، وحي الصحافة اليوم معلم بارز من معالم مدينة الرياض فهو يطل على أكبر شارع في مدينة الرياض وهو شارع الملك فهد الذي يشق مدينة الرياض من جنوبها إلى شمالها، والتفت الملك سلمان إلى إنشاء دارة الملك عبدالعزيز، فاحتوت الدارة على تاريخ الملك عبدالعزيز وما كتب عنه بل إن دارة الملك عبدالعزيز حوت تأريخ الدولة السعودية فهي اليوم مكتبة ومتحف ومنبر للقاءات، ثم إن دارة الملك عبدالعزيز هي دار المخطوطات السعودية والكتب النادرة التي كتبت عن الدولة السعودية، فأي باحث اليوم لا يستغني عن زيارة دارة الملك عبدالعزيز لأنها تحوي مخطوطات وكتباً لا توجد في غيرها.
أقول إن شرف المجد متتابع في مراحل الدولة السعودية فمن شرف المجد في الإمام محمد بن سعود إلى شرف المجد في الإمام تركي بن عبدالله المجدد الأول للتأسيس، لقد نهض الإمام تركي وليس معه إلا المجد وسيفه خرج من جنوبي نجد يجمع الشتات ويقتل بسيفه من يعارضه، إنه يقاتل من أجل بناء دولة على أنقاض دولة، كانت الدرعية بيوتاً مهدمة ونخيلاً عطشى وطرقاً متعثرة وليس فيها من يعين فأهلها مشردون والحاميات التركية في القرى ومن تلك الحاميات حامية ضرما، التي اتجه إليها الإمام تركي بن عبدالله وليس معه إلا سيفه ومجد آل سعود، وقد احتال في الوصول إلى جنود الاحتلال فقتلهم واحداً بعد الآخر ثم اتجه إلى من تكفل بإعاشة الجنود فقتله، بعد ذلك اتجاه إلى عرقة لم يصحبه إلا سيفه وفي الصلاة في المسجد قام رجل يحذر الناس من الإمام تركي فلم يكن عن الإمام تركي إلا التقدم إليه وقتله والخروج من المسجد لأنه عرف أن من كان في المسجد ليس منهم عون، واتجه بعد ذلك إلى قرى سدير حتى وصل المجمعة واندمج في مجموعة الطرفية فقام رجل في تلك المجموعة يحذر من الإمام تركي فعرف الإمام تركي أن الطرقية لن يساعدوه وكان مؤملاً فيهم الخير، فقفل راجعاً جنوباً ويجتاز القرية بعد الأخرى من قرى سدير حتى وصل إلى الجنوبية فاستراح فيها ثم واصل سيره يصحبه الأجرب فهو حاميه بعد الله، لقد نهض الإمام تركي ليس معه إلا العزم والإشارات المتقدمة تثبت ذلك، لقد اتجه إلى الرياض واتخذها مقراً له بعد أن ذاع خبره في الآفاق وتسابقت القرى والقبائل إلى الانضواء تحت لوائه والائتمار بأمره والقتال تحت رايته التي يصحبها مجد آل سعود، فمجد آل سعود خوّل للإمام تركي السير في طريق التأسيس الثاني حتى حقق ما يريد من إنشاء دولة ثابتة الأركان على الرغم من قلة الأعوان وتهديد الدولة العثمانية وعاملها على مصر الذي لا يفتأ في إرسال السرايا إلى الجزيرة العربية الواحدة بعد الأخرى.
وينهض المؤسس الثالث الملك عبدالعزيز فينتزع الرياض من حاكمها ويقتله بعد أن رتب جيشه فالثقل في أبا الجفان بالقرب من الخرج وجيش النجدة في أبو مخروق في شرق الرياض أما جيش الاقتحام وعلى رأسه الملك عبدالعزيز فهو قليل ولكنه جيش العزم وفيه أبناء عم الملك عبدالعزيز رجال من آل جلوي من آل سعود، لقد فتح للملك عبدالعزيز فتح الرياض باباً مشرعاً لتأسيس الدولة السعودية الثالثة، مع أن الملك عبدالعزيز يعرف أن طريق التأسيس طويل ومتشعب وربما صحبته حروب طويلة ولكن القائد الملهم سار في طريقه يجمع القرى والقبائل تحت طاعته، وبما أن الملك عبدالعزيز يستظل براية آل سعود حيث المجد يرافقها والعزة تصحبها فقد حقق التقدم في حروبه وفي رسائله التي تدعو إلى الطاعة وعدم الفرقة والانضواء تحت راية آل سعود، والملك عبدالعزيز تصل إليه أخبار المناوئين، فلما وصل إليه خبر مؤتمر الأرطاوية تقبل الخبر في هدوء، وكان مؤتمر الرياض الذي استمر يوماً كاملاً من بعد صلاة الفجر إلى صلاة العشاء قد وضع النقاط على الحروف، وتمخضت تلك المؤتمرات عن معركة السبلة المشهورة التي انتصر فيها الملك عبدالعزيز، ففتحت له باب الأمن لمن هم تحت رايته من قرى وبادية، قرب يوم إعلان المملكة العربية السعودية.
ونحن اليوم نعيش في ظل راية الملك سلمان، فالملك سلمان سليل مجد امتد من محمد بن سعود إلى الملك سلمان، وفقه الله ملك البلاد إلى كل خير وسدد خطاه، فالكل يدعو له بالصحة والعافية فهو درع البلاد وحاميها ورادع الظالم ومؤمن الخائف.