د.علي آل مداوي
تحتفي المملكة العربية السعودية بيوم التأسيس 1727م وسط إنجازات استثنائية جعلتها دولة رائدة على الصعيدين الإقليمي والدولي. قطعاً إن ذكرى يوم التأسيس هي مناسبة تحمل في طياتها الكثير من الفخر والاعتزاز بالإنجازات الاستثنائية التي حققتها بلادي وفقاً لرؤيتها 2030م. التي يمثّل منذ بدء عهد الإمام محمد بن سعود في منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير من عام 1727م إلى عهدنا الحاضر، والاحتفاء به يأتي اعتزازاً بالجذور الراسخة لبلادي، واللحمة الراسخة والوثيقة للشعب السعودي الوفي بقادتنا منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، إلى عهدنا الميمون عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء - حفظهما الله - ونحن ننعم بالخير والأمن والتطور اللافت في كافة المجالات.
وتعتبر بلادي نموذجاً رائداً في التنمية والتقدم على كافة المستويات بداية من دورها المحوري الإقليمي والدولي في تعزيز الأمن والاستقرار، وثقلها على الصعيدين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والصحي والتعليمي والرياضي والسياحي إلى جانب استمرارها في الابتكار والتطور ساعية إلى تحقيق رؤيتها الطموحة 2030 لتحقيق بيئة مستدامة من حيث جودة الهواء والمحافظة على الموارد المائية وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتطبيق التنمية الخضراء مما يجعلها نموذجاً فريداً من نوعه وأفضل دول العالم في هذا الشأن، وسوف أتطرق إلى أبرز إنجازاتها على كافة الأصعدة بالأدلة الملموسة وهي كالتالي:
على الصعيد السياسي
دورها السياسي محوري في تعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتتسم بالوسطية والحكمة والاتزان والكياسة على كافة الأصعدة وباتت قوة مركزية لا يستغنى عنها في ترسيخ الأمن والاستقرار، وموقعها الإستراتيجي في المعادلات والحسابات الجيوسياسية، إضافة إلى مكانتها الروحية في أفئدة قلوب العالم العربي والإسلامي، فدبلوماسيتها تعكس سياساتها كلاعب إقليمي مؤثّر وتبني شراكاتها الإستراتيجية مع حلفائها، وبات عملها الدبلوماسي نشطاً يعكس صورة نمطية جديدة لها، تحظى بإعجاب وتقدير واحترام إقليمي ودولي.
ففي إطار أنشطتها الدبلوماسية احتضنت بلادي مؤخراً خمس قمم مهمة وتاريخية، بداية بقمة الرياض بين دول الخليج ورابطة الآسيان، والقمة السعودية -الإفريقية، مروراً بقمة عربية إسلامية طارئة، وآخرها قمة سعودية مع دول رابطة الكاريبي، وكانت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية التي تأتي على قمة الأجندة في القمم التي استضافتها الرياض تزامناً مع ما يحدث في قطاع غزة هذه الأيام من الاعتداءات الإسرائيلية الغير مسبوقة على الشعب الفلسطيني، فموقفها من قضية فلسطين ثابت عبر التاريخ، منذ عهد المغفور له الملك المؤسس عبد العزيز - رحمه الله- ومناصرته للقضية الفلسطينية في مؤتمر المائدة المستديرة في لندن عام 1935 ورسالته التاريخية إلى الرئيس الأمريكي روزفلت، وحتى عهدنا الميمون بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان اتجاه فلسطين.
فدبلوماسيتها في المرحلة الحالية بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بما يمتلك من كاريزما ونشاط متألق وذكاء ونضج على الصعيد السياسي والاقتصادي، فقد التقى سموه عدد من زعماء العالم، وأقام سموه بناء شراكات وتحالفات دولية، وكذلك توفير البيئة الإستراتيجية اللازمة للأمن والاستقرار، وتصفير المشاكل والأزمات وبناء شرق أوسط جديد خال من الصراعات والتوترات وتعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي.
على الصعيد الاقتصادي
تعد مركز ثقل اقتصادياً واستثمارياًَ، تحولت في الآونة الأخيرة إلى مركز اهتمام تجذب أنظار العالم، اقتصادياً وتجارياً وفقا لرؤيتها 2030 . فدورها الحيوي في منظمة أوبك وتكتل أوبك+، وكذلك القوة الاقتصادية لها، التي أهّلتها للعب دور ملموس في إطار مجموعة دول العشري G20، التي تعد أكبر تكتل اقتصادي في العالم، والتي تضم الدول والاقتصادات الأكثر تأثيراً على الصعيد العالمي، وتمثِّل أيضاً نحو تسعين في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، فضلاً عن حوالي خمسه وسبعين في المئة من التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم، وتلعب دوراً مؤثّراً فيها، حيث يحتل اقتصادها المرتبة السادسة عشرة بين اقتصادات دول المجموعة من حيث الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لإحصاءات عام 2021 . أضف إلى ما سبق انضمامها بشكل رسمي عضويتها الكاملة في مجموعة البريكس، وانضمامها أيضاً إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي تقودها الصين، كشريك إستراتيجي.
تهدف في رؤيتها إلى خفض اعتمادها على إيرادات النفط وترسيخ الاستدامة بإستراتيجية المدى الطويل، فالميزانية المخصصة لعام 2024 تعكس التزامًا بالتنوع في المجال الاقتصادي، مع تنمية استثمارات كبيرة في قطاعات غير النفطية، ينسجم هذا النهج المستقبلي مع رؤيتها الطموحة، وتعد بذلك خارطة طريق شاملة لتحويلها إلى مركز عالمي للاستثمار.
إطلاق مشروع ذا لاين (The Line)، وهو أحد المشاريع في مدينة نيوم، حيث تم استغلال المساحة الواسعة، والاحتفاظ على الطبيعة (صفر كربون) كما تم البدء في المشروع الخاص بمدينة الأمير محمد بن سلمان، والجديد في هذه المدينة أنها لم يتم إنشاؤها لأغراض ربحية، بل كان هدفها الوحيد إتاحة الفرصة لفئة الشباب الوطن أصحاب المواهب من أجل مشاركتهم في التخطيط لمستقبل الوطن.
ومشروع الرياض العملاق، حيث تهدف هذه المشاريع الضخمة إلى تعزيز الاستثمار السعودي وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين، والوصول إلى تطور شامل في كافة مناطق مملكتنا الحبيبة.
على صعيد مكافحة الإرهاب
دورها ريادي في مكافحة الإرهاب الدولي على الصعيدين الدولي والإقليمي في ترسيخ الأمن والاستقرار، ومساندة القضايا الشرعية، ومبادراتها الناجحة لتحقيق الأمن والسلام على صعيد منطقة الشرق الأوسط وكذلك على الصعيد الدولي، ففي هذا الإطار استضافة بلادي مؤخراً «أعمال الاجتماع الثاني لمجلس وزراء دفاع دول التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، تحت شعار «محاربة الإرهاب مسؤولية مشتركة»، بمشاركة وزراء الدفاع من الدول الأعضاء والدول الداعمة، وحققت نجاح باهر بامتياز في استضافتها.
على الصعيد الثقافي
تتميز ثقافتنا بغنى عناصرها من تراث مادي وإنساني، وتقاليد وتطور حضاري عمراني، وارث ثقافي ثري، حرصت بلادي على تطوير التراث والثقافة، وعلى الصعيد الدولي تعد بلادي عضوًا مؤسسًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، وعضواً في مجلسها التنفيذي المنتخب في نوفمبر 2019 . فمن أهم الإنجازات التي حققتها المملكة ثقافياً فوز المملكة باستضافة معرض إكسبو الدولي 2030 في مدينة الرياض، التي ستكون منارة عالمية مهمة لمشاركة ملايين الزوار من جميع أصقاع العالم ويتعرّفوا على ثقافتنا وهويتنا الأصيلة وتنوعها الحضاري.
بشأن القطاع التعليمي
يعد النظام التعليمي داخل المملكة نظاما متطورا وعصريا حيث توجد بها 29 جامعة حكومية 14 جامعة أهلية وعدد من الكليات والمعاهد حكومية، وعدد 33500 ألف مدرسة في كل محافظات المملكة، وأكثر من 6 ملايين طالب وطالبة من التعليم العام، ونحو 1.36 مليون طالب وطالبة من التعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني. وتعزيز مشروع التمكين الرقمي في التعليم الذي حقق نجاح باهر في هذا الشأن، تم اختيار منصة مدرستي ضمن أفضل منصات تعليمية عالمياً، في التعليم الجامعي تم اختيار عشر جامعات سعودية ضمن التصنيفات العالمية بتصنيف التايمز. تم حصول 125 طالباً على ميداليات الأولمبياد الدولية، تأتي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن على رأس القائمة كأفضل الجامعات العربية، وجامعة الملك سعود ثانياً وكذلك جامعة الملك عبد العزيز خامساً وفقاً للتصنيف 2024 الذي أصدرته مؤسسة «كيو إس» (QS) البريطانية.
بشأن القطاع الصحي
تأتي الرعاية الصحية على سلم أولويات المملكة، واعتزازها بأفراد شعبها، ورؤيتها لهم كثروة بشرية لا تقل عن أي ثروة أخرى، فقد بلغ عدد المراكز الصحية الأولية في المملكة وفقًا لآخر إحصائية من وزارة الصحة السعودية 2390 مركزاً صحياً وفقاً إلى الإحصائي الذي يتم إصداره بشكل سنوي عن وزارة الصحة السعودية، تقوم المراكز الأولية الصحية بتوفير العديد من الخدمات الرعاية الصحية بشكل مجاني إلى المواطنين. وبلغ إجمالي عدد المستشفيات الموجودة على امتداد تراب بلادي في مطلع العام 2023 ميلادي 484 مستشفى.
إطلاق مستشفى صحة الافتراضي في عام 2022 وهو الأكبر من نوعه على مستوى العالم ويربط أكثر من 150 مستشفى ويقدم أكثر من 30 خدمة صحية متخصصة في جميع أنحاء بلادي.
على الصعيد الرياضي
حققت إنجازات في القطاع الرياضي، فوزها بحق استضافة نهائيات كأس آسيا 2027، وباستضافتها كأس العالم 2034 لكرة القدم. كما فازت بلادي بتنظيم كأس العالم للأندية 2023 في جدة بمشاركة سبعة أندية من مختلف قارات العالم، لتصبح رابع دولة عربية تحتضن هذا الحدث بعد الإمارات، المغرب، وقطر. واستضافت العاصمة الرياض فعاليات النسخة الثانية من دورة الألعاب السعودية خلال الفترة من 26 نوفمبر حتى 10 ديسمبر. وأقيمت الدورة بمشاركة أكثر من 8000 لاعب ولاعبة، مثَّلوا أكثر من 200 ناد من جميع أنحاء أرض بلادي، وتنافسوا في 53 رياضةً، منها ست ألعاب، وأربع رياضات استعراضية جديدة. وتستعدُّ كذلك أيضاً لاستضافة كأس آسيا لكرة السلة للرجال 2025 للمرة الثانية في تاريخها في مدينة جدة.
كما استضافت الجولة الثانية من بطولة العالم لـ»فورمولا 1» عام 2023، بعد النجاح المتميز الذي حققه سباق جائزة السعودية الكبرى في النسختين الماضيتين، إضافة إلى النسخة الرابعة من رالي داكار العالمي، بمشاركة نخبة من أبرز السائقين الدوليين، مثَّلوا بلادهم عدة من مختلف أنحاء العالم، و365 مركبةً ضمن جميع الفئات. كما نظَّمت أيضاً مهرجان كأس السعودية، الحدث الأهمُّ في تاريخ سباقات الخيل الدولية.
وفي مجال السياحة
ساهمت الإنجازات التنموية البارزة التي حققتها المملكة في قطاع السياحة، في قيادة منطقة الشرق الأوسط، حيث تصدرت بلادي، قائمة الأمم المتحدة للسياحة في نمو عدد السياح الدوليين في عام 2023م مقارنة بعام 2019م للدول العظمى سياحياً. ووفقاً لتقرير الباروميتر الصادر من الأمم المتحدة للسياحة في شهر يناير 2024م، الذي نقلته وكالة الأنباء السعودي (واس)، حققت المملكة ارتفاعاً بنسبة 56 % في عدد السياح الوافدين في عام 2023م مقارنة بعام 2019م. ولذلك ارتفع عدد زوار المملكة خلال سنة 2023 إلى ما يتراوح بين 25 و30 مليون سائح.
انخفاض معدل البطالة وتمكين دور المرأة
انخفض معدل البطالة بين المواطنين السعوديين في الربع الثاني من العام الجاري إلى 8.3 % ليقترب من مستهدف رؤية 2030 والبالغ 7 %، بحسب الهيئة العامة للإحصاء. وتسعى الحكومة على خلق فرص وظيفية وعمل للشباب في كافة القطاعات الحكومية والخاصة.
وأثبتت المرأة السعودية نجاحها في شتى المجالات لتكون جزءاً أساسياً وفعَّالاً من تنمية المجتمع وتساهم في ازدهاره، وباتت تبرهن للعالم أجمع مدى إمكانية قدراتها الهائلة لتعزيز قدراتها ومواهبها واستثمار طاقاتها ضمن أولويات رؤيتها فاستطاعت أن تثبت جدارتها وإمكانياتها في توليها لمناصب قيادية ورئيسية وتحقيق أفضل الإنجازات وأسماها ففي هذا الإطار وصلت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 37 % في عام 2023، كما بلغت تمكين المرأة في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا أكثر من 30 % في القطاعين العام والخاص. وأيضاً كشفت المؤشرات ارتفاع نسبة تمكين المرأة في الخدمة المدنية إلى أكثر من 41 %.
بذلك تحقق قفزات نوعية فيما يخص مستهدفات تمكين المرأة ورفع كفاءتها ومهارتها وتمكينها والمساهمة في مشاركتها الاقتصادية في سوق العمل وقطاع الأعمال وفق رؤيتها2030 .
ختاماً تعيش بلادي تزامناً مع ذكرى يوم التأسيس هذه الأيام نهضة حضارية شاملة وحققت إنجازات تنموية قياسية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والرياضية والسياحية بفضل التطورات الإستراتيجية التي شهدتها عبر برامج إصلاحية شاملة، أبرزها «رؤية 2030» التي أطلقت في 25 أبريل عام 2016، وهي تمثِّل إستراتيجية نحو تنمية وطنية مستقبلية شاملة، تنعكس على رفاهية وجودة حياة المواطنة والمواطن السعودي، وبمناسبة يوم التأسيس الغالي على قلوبنا، نستذكر ما قاله سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -أدام الله عزه - عرّاب الرؤية وقائدها الاستثنائي الذي رسم حاضر ومستقبل وطننا المشرق، الذي أكد أن «المواطن السعودي هو أعظم ما تملكه المملكة للنجاح، فدور المواطن محوري في التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ويسهم بشكل مباشر في تحقيق الإنجازات والمضي قدماً في مختلف المجالات والقطاعات الواعدة».