تبوك - واس:
عاش الناس في شبه الجزيرة العربية منذ نحو قرن ونيف، ظروفًا صعبة في ظل البيئة القاسية، مما حدا بهم لمصارعة قسوة الصحراء بلهيبها صيفًا وزمهريرها شتاءً، مع ندرة الماء والكلأ كندرة الكبريت الأحمر، خاصةً في فصل الشتاء الذي يشتد برودةً وقساوة كلما اتجه الإنسان شمالًا نواحي صحراء تبوك الشاسعة. يقول أحد كبار السن والمهتم بالإرث التاريخي للمنطقة عطية بن عليان الحويطي:»إن سكان بادية تبوك قديمًا كانت لديهم الفراسة في معرفة دخول مواسم السنة بفصولها الأربعة، وكانوا يعرفون ذلك من خلال مواضع النجوم، فإذا دخل الشتاء رحلوا إلى ما يُعرف بالـ»مذاري» -وهي الأماكن التي تجاور الجبال-، ونصبوا فيها الخيام، وبحثوا فيها عن الكهوف التي تقيهم وأنعامهم من شدة البرد، ليقضوا فيها فصل الشتاء محملين بما جادت به أقدار الله لهم من أكلٍ وماء».
والحياة في فصل الشتاء قد تكون مختلفةً نوعًا ما عن باقي فصول السنة، حيث تُعرّض الظروف المناخية الإنسان لما يُشبه البيات الشتوي، فتصب اهتماماته حينها حول كيفية حماية نفسه، وماشيته من لسعات البرد القارس، ويكون غذاؤه من حليب الإبل أو الأغنام ومن حساء الجريش الذي يبعث على الدفء ويمنحه الطاقة إلى جانب الفتة والسمن وبعض الأشجار المحلية القابلة للأكل، كما يقوم بإيقاد النيران من حطب السمر أو الرتم أو الطلح، التي يبتعدون فيها عن قطع الأشجار الخضراء؛ لأن ذلك يضر بمصالحهم وببيئتهم، بل يحرصون على جلب الأغصان اليابسة واستخدامها بشكل غير جائر.
وقد يلجأ الإنسان إلى النوم بين أنعامه لحمايتها، وطلب الدفء؛ نظراً لخروج الحرارة منها، خاصة إذا نام بين أوساطها، أو حفر حفرة تسمى بالـ «دحو» يقوم بفرش الجاعد في داخلها، ومن ثم يتغطى بجاعد آخر، وهذا لا يكون إلا في وقت المبيت فقط، أما في فترات النهار فعادة ما تكون الشمس ساطعة فتخفف عنهم حدة البرد. وفيما يتعلق بتساقط الثلوج خاصة على منطقتي علقان والظهر وعلى جبال اللوز؛ فإن سكان هذه المناطق أفضل حالًا من غيرهم، ففيها تكثر الجبال المليئة بالكهوف، حتى إن بعضها مازال قائمًا حتى الآن ويُعرف بأسماء الأسر التي كانت تقطن المنطقة، حيث يعمل الكهف على حفظ الحرارة نهارًا ليمد ساكنيه بالدفء ليلًا، وإذا تساقطت الثلوج استبشر الناس بها، وتناقلوا أخبارها لأنها بمثابة الدليل على قدوم فصل ربيعٍ مختلف، وبذلك تخرج إليها الناس ولا تشكل أي عائقٍ لحياتهم، وكانت تمتد معها التراكمات الثلجية والأمطار لأيام.
وفي الوقت الحاضر - ولله الحمد - تغيرت الظروف والأحوال، وبات الأهالي يرفلون في كثير من النعم، بفضل الله أولاً ثم بفضل ولاة أمر هذه البلاد الذين حولوا صحراء تبوك لاسيما الشمالية منها إلى مناطق سياحية تضم أكبر المشاريع التنموية، كمشروع «تروجينا» الذي تُسابق نيوم الزمن من أجل إنجازه، ويُعد ابتكارًا هندسيًّا فريدًا لا مثيل له على مستوى العالم، وأصبح السياح يفدون للاستمتاع بتساقط الثلوج في منطقة تتوافر فيها كل سبل العيش الكريم والراحة، فلا الشتاء بقسوته يقلق إنسانها، ولا الصيف بلهيبه يؤثر في مكانها.