عبدالمحسن بن علي المطلق
سبب التحبير هو ما اطلعت عليه من عتب أوردته الدكتورة لآهاي الدعمي، ما قد لا يصنّف تحت بند الملام بقدر ما هو استلحاق على الراحل أستاذ علم الاجتماع «علي الوردي» ت 1995م، هنا في الجزيرة العدد 18556، ونقلها من انتقادات طالته (.. بسبب تضمينه أقساماً من أعمال سابقة في كُتب لاحقة..) ترمي (وقوعه في إشكالية التكرار..)، مع النقل لا يحسب موافقة من الناقل، والمهم هنا ما وددته تفصيل لبعض - ما يستدعي للإعادة ( التكرار)، فحول هذه الجزئية.. أقول بـ(سبع) إشارات:
- شريحة من القراء تأخذ على كاتب ما أنه يكرر..
لكن (التكرار) ليس كله مذموماً، وحسب جملة عالقة في عقِب أهل التربية (الإعادة إفادة..)، إذ... يأتي لضرورة سند فكرة هي خلاف ما طُرحت سلفاً، فكان تكرارها آتياً ليعضدها فهو من هذا الجانب ليس ممدوحاً فقط بل مطلوباً.
- ويأتي بصيغ كتوضيح لدلالة تقدمت لم يتم إيضاحها أو (كما نجده) بكتاب الله ممن تكررت قصصهم، كذكر شيء منها لم يرد بوجه تقدم من القصة، أو يؤتى بطرفها الآخر.. وهكذا.
- ثم إن العلم أصلاً هو/ مكرر والدليل أنه كم من أطروحة إما مسبوقة أو تقارب ما سبقها من حيث (المضمون) تحديداً، درجة أن أحد قراء المتنبي قال عن بيت له:
وخصر تثبت الأنظار فيه
كأن عليه من حدق نطاقا
إنه (معنى لم يُسبق إليه) وكأن في مقولته تحاملاً! المهم وتأكيداً على هذه ما يقال عما ليس مسبوقاً (سدّ ثغرة بالمكتبة الإسلامية).. إن كان الطرح يدور حول أمر شرعي- فالتكرار عند هذه الفئة تحديداً لا يُستغرب، أو المفروض كذلك.
لأن كل واحد يصدر من ذات المعين، لكن يعاد الترجيح بين الطروحات المتماثلة للأسلوب وطريقة الطرح.. إلخ من ميزات تُنشد.
- وأنه أحياناً تجده مطلباً، إما تربوي فنحن نعلم أن من أغراضه ترسيخ المعلومة بذهن الشطّار، فضلاً أن «ما تكرر تقرر..»
أو بلاغياً كما في آية (هيهات هيهات لما توعدون)!، وأيننا من سورة الرحمن وآياتها شاهدة، وهذه تجد سالف العرب أقرّت بها/
أخاك أخاك، فإن من لا أخ له
كسائر للهيجاء دون سلاح
وأخذتها عنهم الخلف/
يا بريطانيا رويدا رويدا.!
نعم إن لفظة (رويدا) أعيدت للتأكيد
لكن الأكيد الأكبر على الحاجة إليها يوم لا تجد عنها مناصاً، فهذا الإمام أحمد يصف الخليفة رحمهما الله بقوله (وأبو جعفر أبوجعفر..)، ويقصد ليس بين يدي معارفي من أستطيع تشبيهه به.
..وبمناسبة التوكيد ما قيل عن (القسم) مثلاً، فالنبي وهو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم صدّر نصاً بقوله (والذي بعث محمداً بالحق...) فهل يحتاج نبي الله كتصديقاً لما يخبر به ما يحوجه للقسم؟
وأزيدكم ما راع إعرابيا حين سمع آية {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أن قال: من أغضب الرحمن لكي يقسم؟
وعلى هذا القياس يتجلى غرض التأكيد، ومواضعه.. التي تُسبق بـ«قسم»، كنوع من التحريص، وعدم (التفويت..).