ناهد الأغا
يزهو ثوب المجد المُطرز بحبات السؤدد والإباء التليد المستلقي على كتف الزمان العريق المتألق بصدق الخيرة السابقين، الذين صنعوا أعظم القيم، وأنبل المباديء وأعمق المعاني، وأنصع الصور.. كتبوا التاريخ بمهجة نفوسهم وذرات عرقهم، التي قدموها وبذلوها رخيصة لأجل ما نحن عليه اليوم.
مضى الزمن وعدنا إلى هذا الموعد الجميل، لليوم الذي تحتفي به نفوسنا وتنشد طرباً كما يحلق الطائر جذلان على مد البحر وجزره، وتزدهي الألحان فيه بأجمل الكلمات وأعذبها على أجمل ألحان الخلود المقيم.
في رحاب وحضرة التاريخ، الذي صيغ لقادم مشرف ومشرقٍ، نقف وقفة الشموخ مستذكرين الذكرى العزيزة في النفوس، والخالدة في الذاكرة الخالدة، التي لا يمكن محوها أبدا، ونحيي والقلوب عامرة والمشاعر زاهية بذكرى يوم التأسيس، يوم عرف فيه المجد كيف يسلك في أصعب المسالك وأعسرها، يوم يقرأ فيه جيل كامل كيف سُطر المجد حرفاً فحرفاً، فتلاقى في كلمات شكلت عناوين راسخة في أعظم القصص والروايات وكيف كانت الهمة عالية لايزعزعها أي طاريء أو عارض، حقاً قد وضع أولئك الأوائل الأشاوس حجر الأساس المتين، الذي قد تكسرت على أعتابه أي فكرة طريدة أو محاولة تشرذم وتفرقة، أو نيل من استقرار.
يوم يحيا فيه كل من على هذه البسيطة مشاعر اليُمنِ والإيمان، التي نادت إليه جموع من مشت على طريق حفظت شواهده خُطاهم بعزة واقتدار قل نظيرهما، فهي الأنموذج الأرقى بالسياسة والحكم والدعوة والاجتماع.
مسيرة مباركة بدأت منذ قرون من الزمان، كان في طياتها الخير والازدهار، وقيام المجد، خطوات تلاحقت وتتابعت متضافرة فيما بينها، كل مرحلة تبني فيها على ما بُنِيَ وتحقق، فأعليت أقوى العناوين وأجزلها، ورُسخت المعالم الشامخة بشموخ وبسالة الأبناء البررة لهذه المعمورة، واتحد العلم والإيمان والفكر والقيادة، بدأت مسيرة الخير والازدهار خلال الأعوام (1157- 1233هـ/ 1744- 1818م)، حين اجتمع الصدق والانتماء لأرض وأمة على حد سواء، وكان للحق جولات وصولات، وتشكلت بموجبه وحدة سياسية كبيرة ترامت أطرافها خارج حدود الدرعية وأرض شبه الجزيرة العربية إلى أرض كربلاء شمالاً والحديدة جنوباً، كانت هذه البداية ما عُرفت بالدولة السعودية الأولى، وكانت الأولى باختطاط نهج قويم الأساس والبناء شكل بارقة مضيئة لما بُني بعده.
ثم تجدد الحياة، وبعث العزم من جديد، ولم تكن المعيقات تقف حائلاً دون استمرار المضي بالمسيرة الخيرة، وقيام أركان الدولة السعودية الثانية (1233- 1306هـ/ 1818 -1891م)، بعد آل القرار إلى الإمام تركي بن عبدالله راعي الأجرب، الذي انطلق من بلدته حائر، من ثم إلى ضرما، ملتفاً بمن حوله من رجال مناصرين نحو الدرعية المجيدة، قاضياً على كل ما تم من مساعٍ ذات أثر سلبي، مُتخذاً من الرياض منبع الخير وأرسيت في هذه الدولة معالم فكر ونهج سياسي لدولة عتيدة، اقتفى فيها الإمام فيصل بن تركي، والإمام عبدالله بن فيصل، والإمام سعود بن فيصل، والإمام عبدالرحمن بن فيصل الأثر المجيد في الحكم والقيادة، ما يشار له بالبنان. حتى اللحظة الخالدة، التي نحيا ظلال ذكرها في يومنا هذا وقيام الدولة السعودية الثالثة (1319هـ/ 1902م حتى الآن)، التي صنعها الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مع بزوغ فجر يوم الخامس من شوال 1319هـ/ 15 يناير 1902م، حين دخل إلى عاصمة مُلك أجداده الرياض ووصل إلى قصر المصمك، فأصبح سلطان نجد، كما أراد له وجهاء وعلماء نجد في مؤتمرهم في صيف عام 1339هـ/ 1921م، وملك نجد والحجاز عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، واستمرت الانطلاقة الميمونة في جمادى الأولى 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، تحت اسم المملكة العربية السعودية إلى يومنا هذا، وكانت مملكة إنسانية وعطاء، وأنموذج سام في المجالات والقطاعات على أفضل المستويات العربية والعالمية، وأعقب الملك المؤسس أشباله الأبرار رحمهم الله : سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله أسكنهم الله فسيح جنانه، وجزاهم خير الجزاء إلى العهد الميمون، الذي أكرمنا الله به تحت قيادة حكيمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه، عنوان الوفاء والشيم الكريمة بإحياء الذكرى الطيبة في النفوس واستذكار مسيرة الأوائل رحمهم الله، وعلى ذلك يمضي عراب الخير، وأيقونة الإنجاز حضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بإعلاء البنيان وتجويده، وتحصينه .
وحقاً واصلي يا بلادي وعين الله ورعايته تحيطك.