محمد سليمان العنقري
قبل أيام أعلن معالي وزير الإعلام سلمان الدوسري عن أن 2024 هو عام التحول الإعلامي في المملكة وتحدث عن عدة إستراتيجات بالإضافة لإطلاق سعودييديا، فالإعلام تجاوز مرحلة شرح مفهومه وأهميته في المجتمع فهو ممارسة يومية يقوم بها كافة الأفراد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وأيضاً وجوده كإدارات فاعلة ومهمة في كل الجهات من القطاعات الثلاثة العام والخاص وغير الربحي، كما أن التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي دخلت للإعلام وأصبح التحدي كبيراً على الدول والمنشآت لكي تواكب تسارع تطور الأحداث ونقلها والتفاعل معها، فالإشاعة والتحريف أصبح صناعة سهلة جداً فبمجرد نشرها على أي وسيلة تواصل فإنها تقرأ من الملايين ويكون تفنيدها وإظهار الحقيقة أكثر تكلفة من نشر هذه الأكاذيب، فالهدف ليس فقط ترسيخ صورة نمطية سلبية عن أي مجتمع أو شركة أو دولة بل التشكيك بكل ما يتم انجازه فالإعلام هو سلاح وأداة فاعلة تستخدم في الحروب على المستهدفين منها، والضرر الذي يحدثه قد يفوق بتكلفته الهجمات العسكرية التقليدية فتعطيل مجتمع أو تشويه مفاهيم فكرية وثقافية فيه أكثر ضرراً على التنمية ورفع وعي المجتمع بقضاياه واحتياجاته والتنافسية العالمية المتصاعدة حالياً بين كل القارات والقوى الكبرى والاقتصادات الناشئة هو عامل أساسي لنجاح أي إستراتيجية تنموية أو تحول في أي مجتمع، ولذلك فإن دور الإعلام في مرحلة إنجاز الرؤية الإستراتيجية للمملكة مهم في تسليط الضوء على المنجزات وأي قرارات أو مبادرات تصدر، بل يحتاج لمضاعفة العمل والتغيير في المنهجية والمحتوى فإذا كانت الوزارة والجهات الرسمية المختصة بملف الإعلام تقدم كل الممكنات من أنظمة وتشريعات ومبادرات لتطوير القطاع فإن دور وسائل الإعلام يجب أن يكون مختلفاً في طريقة التعامل مع المرحلة الحالية والقادمة فتغطية الأخبار أو المشاريع أو أي إنجاز يتم في المملكة بكافة الوسائل المتاحة ليس هو فقط كل ما يطلب للقول بأن الإعلام يتفاعل مع النهضة الضخمة التي تشهدها المملكة منذ إطلاق رؤية 2030 والتي ارتفع فيها الناتج الإجمالي منذ بدايتها حتى العام الماضي أي خلال سبعة أعوام تقريباً بأكثر من 65 %، حيث كان بحدود 2.5 تريليون ريال وسجل العام الماضي ما يقارب 4.2 تريليون ريال لكن الأهم هو التحولات التي حدثت بالاقتصاد من حيث تنشيط القطاعات الجديدة أو ذات التأثير المحدود سابقاً رغم وجود إمكانيات لفرص هائة فيها تم تفعيلها مع الرؤية مع توظيف مئات الآلاف من المواطنين إضافة لتجاوز أزمات عالمية دون تأثير يذكر على مسار التنمية وتنفيذ برامج الرؤية.
لكن ما هو المطلوب فعلياً من الإعلام هو أن يضيف لنشاطه الحالي في إبراز وتغطية المنجزات والأحداث والفعاليات الدور الأهم في تعميق الوعي بأهمية كل تحول يتم بالمجتمع عبر برامج نوعية في الإعلام المرئي أو تغطيات وتحقيقات صحفية مميزة فتعزيز مفهوم ثقافة العمل بكل نشاط اقتصادي له أهمية كبيرة تبدأ من رفع الوعي بأهمية الفرص المتاحة عبر مخاطبة المستثمر بلغة تجذبه لمعرفة ما يمكن أن يستثمر به فالإعلام الاقتصادي عموماً محدود التأثير لدينا وما يقدم فيه لا يضيف شيئاً يُذكر فعلياً للمتلقي فنجاح هذا النوع من الإعلام وبرامجه فقط عندما يصبح مؤثِّراً بقرار المستثمر تماماً كما هو موجود في الاقتصادات الكبرى، فهناك ضعف واضح ونمطية تقليدية في طرح ونقاش وتغطية الأحداث أو المواضيع الاقتصادية والتي لا ترتقي للتطور الذي أحدثته الرؤية في الاقتصاد الوطني وذات الأمر ينطبق على الإعلام الرياضي الذي يغرد خارج المشروع الرياضي الذي أطلق وأصبح حديث كل وسائل الإعلام العالمية إلا أنه ما زال لدينا إعلام رياضي يعايش مرحلة رياضة الهواة وليس زمن الاحتراف والصناعة الرياضية التي أصبح حجمها عالمياً بمئات المليارات من الدولارات وأيضاً الإعلام الاجتماعي وكيفية الغوص في تفاصيل المجتمع والمساهمة ببناء الوعي عن التطورات التي يعكسها الاقتصاد في سلوكيات المجتمع وكذلك التغيرات العالمية وكيفية مواجهة صراع الحضارات والغزو الثقافي الذي يجتاح العالم فكيف يمكن تحقيق التحول بالاقتصاد بتعزيز ثقافة الإنتاجية إذا لم تطرح الأفكار والنقاشات التي تؤدي لنشر ثقافة التحول المجتمعي لمفهوم الإنتاجية وكذلك الادخار والاستثمار الصحيح وفهم التحولات العالمية والوعي بمخاطر ما ينشر بوسائل التواصل من تضليل أو أخبار كاذبة وأن هناك حروباً خفية تمرر أجندتها من خلال تلك الوسائل وكيف يمكن أن يركز الشباب على مستقبلهم واختيار تخصصهم وفهم لكافة القطاعات المتاح العمل بها ومستقبلها فهناك أدوار عديدة تساند وسائل الإعلام يمكن الاعتماد عليها في إحداث نقلة نوعية بالمحتوى الإعلامي مع الحاجة لدعم الوسائل الإعلامية من صحف أو قنوات رسمية بما يمكنها من أداء هذا الدور المهم بمختلف أوجه الدعم.
الإعلام صناعة وهو مصطلح أصبح بديهياً ويقاس نجاحه في مدى كفاءة الإنفاق قياساً بالنتائج المستهدفة منه ولكن بناء قواعد هذه الصناعة ليس بالأمر السهل وبعض ركائزه تحتاج لسنوات وبعضها يمكن بناؤه بوقت قصير ولعل ما أعلن عن أن هذا عام التحول بالإعلام يكون بداية لمسار ينافس فيه القطاع تطور كافة القطاعات التي أصبح أثرها كبيراً وواسعاً وصداه في كافة أنحاء العالم ويواكب التطور الهائل الذي تعيشه المملكة بنهضتها الداخلية ومكانتها العالمية الرفيعة.