رمضان جريدي العنزي
لم تعد الرياض هي الرياض، أصبحت مدينة مختلفة، لها فلسفة خاصة وشعور ووجدان ومخيلة وجمال وحسن مغاير، وجهة العالم صارت، صارت برقاً وقمراً وبنفسجاً، صارت قنديلاً وشجرة لوز وحبق، صارت شعراً وغيماً ومطراً، صارت بوصلة جاذبة، صارت مدينة تغار منها كل المدن، وجه ناعم مغسول بماء الورد والزعفران، صارت فراشة ونورس، لم يعد فيها تململ أو ضجر، أعرف بأنني مفرط في حبها منذ أن كنت صغيراً، مفرط في التأمل بها، في صبحها وليلها وحتى الظهيرة، مفرط في مناخها المتقلب، وريحها وسمومها، مفرط في نشاطها وتمددها ونموها، مفرط في سورها القديم، وحيها القديم، وسوقها العتيق، هي مثل الوردة الحمراء عندي، التي تنمو في حديقة النعناع والياسمين والريحان والحبق، هي عندي مثل ماء وضوء وفراشة، مغرم بها من أخمص قدمي إلى حجرات قلبي الأربع، شغفي بها تعدى حدود الشغف، من أول ولهي حتى آخر أنفاسي، هي عندي قصيدة ترف، ومثل مراود كحل، ولون حناء، وساقية ماء، جميلة، هي الرياض، في الصيف، في الخريف، وفي الشتاء، ويزداد حسنها في الربيع، صارت ملاذاً، وفسحة، ونافذة، وشرفة، يستريح على صدرها المتعبون من الحياة، مدينة حالمة، مثل عشب ندي على رصيف الطريق، هي الرياض تزدان بترف، مثل رائحة بن، وشذى عطر، ولون تفاحة، الألوان التي لونت ضفائرها الطويلة حولتها لذوائب مغايرة، إني أحب الرياض بدون مقابل، وأكتب لها القصائد بكل اللغات، وأنشد لها النشيد، يعجبني قوامها، وعبق ترابها، ليلها حالم جميل وأنا أمر في شوارعها كحمام نحو الحلم، مثل عاشق يركض في المنام، ومثل عازف متجول يحمل في قلبه لحن الحياة، يا أرجوحة الحب يا رياض، يا قصيد غزل، يا غيمة يعقبها مطر، يا شمس بحيرة، ويا هدوء ريح، يا طوق حمامة، وغضن تفاحة، وقفزة ظبية، يا رواية جميلة، يا قهوة الصبح على شاطيء البحر، يا صوت ربابة عند انكسار الظهيرة، بي رغبة للكتابة عنك، وكيف وأنت البهية وكل ما فيك بهي، أهواك يا ست المدائن، أحبك، تحمليني على موج القصيدة العذراء، وتأخذيني على صهوة الجواد نحو مدارات البياض، اسمك بالراء يبدأ، وبالضاد ينتهي، وبقية حروفك خيوط حرير، نورس أنت، آآآه، يالون البنفسج، ولحن الكمنجة، في دمي تدورين كساقية، يا عروس جميلة، يا رائحة الليمون في الحقل الفسيح، يا سيدة المدائن، يا العروس الأسطورة، كيف كنت، وكيف أصبحت، ومن الذي حولك إلى هذا الجمال، يا ثلاثية الأبعاد، يا أصابع البيانو، يا أوار القانون، يا قصب السكر، يا مخطوطة ثمينة، يا مهرة جامحة، كل يوم أفحص دمي لأجدك في دمي، يا أغنية المسافر إلى المسافر، وأغنية العصافير في أعشاشها، يا فضة تلمع، يا مهاة في فلاة، يا فرس سبق، يا طريق الغيم والبخور وممرات الرخام، يا سنبلة تخضر في روحي، يا بلورة، بك أحلم، وبغيرك لا أحلم، يا سرب السنونو، كيف صرتِ حتى أصبحتِ، يا حمامة تخفق في الغمامة، فيك يجتمع الإرث والحداثة، كنت في الأمس صغيرة، وحين كبرت صرتِ حسناء جميلة، وفيك ناطحات السحاب الكبيرة، والقطارات السريعة، يا ضحكة الضوء الشفيفة، أنا عاشق لك، ورسائلي مكتوبة لك وحدك، ومختومة بالرحيق، يا أحلى المدن، في الأوقات المطيرة، وقعك في صدري يهتاج، نجمة أنت للساهرين على شرفات المدن، والعابرون يقرأونك كزهرة تين، أو سعف نخلة، يا عصفورة تغفو على نافذتي، في فمي لك كلام كبير، يزيد ولا ينقص، وكلما يممت صوبك، جاءني الحنين كسرب طيور، لم أذهب لغير سواك، وهاجسي لك مفعم بالزنابق، ما الذي غيرك حتى صرتِ ملاذ المتعبين، يسافرون إليك كالسندباد، ما الذي غيرك حتى تحولت من غبار لحديقة غناء ونافورة ماء، ما الذي دجج فيك صهيل الوقت، وأبعد عنك القلق، صباحك تغير، وليلك تغير، وحتى الظهيرة لم تعد كما كانت ظهيرة، ما الذي غيرك حتى صرتِ طريق حرير، يمدون عليه الناس من كل حدب الخطى، يا فاتنة المدن، يا التي كنت رملاً وأصبحت حريراً، يبهرني فيك التغير السريع، من أقصى المحيط إلى الخليج يأتون إليك متفرجين ومنبهرين على قوامك، فا أنت الفارسة من زمان مضى، وأنت الفارسة في الزمان الجديد، وأنت الحياة ونرجسها، وأنت التي لا تعرفين الفشل.