د. سامي بن عبدالله الدبيخي
تتلمذت على يد سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف -حفظه الله- في مجال «الإدارة الحضرية» في مرحلة البكالوريوس. وعلى ذات النهج، يتتلمذ طلابي حالياً على تجربة سموه في التطبيق والعمل الميداني أميناً لمنطقة الرياض لمدة خمسة عشر عاماً. أعتمد في هذه التلمذة على نقل خبرته العلمية والعملية في مجال التخطيط العمراني وإدارة المدن والتي وضحها سموه في كتابه «الإدارة المحلية والقطاع البلدي: التحديات والفرص الضائعة -الرياض أنموذجاً». يستعرض هذا المقال أبرز محاور هذا الكتاب، رغم قناعتي بأن مساحة أي مقال صحفي لن تستوفي استعراض تجربة سموه الثرية في مجال القطاع البلدي وتخطيط المدن المسطرة في كتابه.
كانت المحطة الأولى التي ربطتني بسموه مهنياً وشخصياً هي مرحلة البكالوريوس التي تشرفت حينها بتحكيمه لمشروعي في التخرج يناير
1996م. أما المحطة الثانية فحين كنت منسق الاتصال لمخرجات «مشروع استراتيجية التطوير الحضري لمدينة الرياض» بين الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض والمستشارين، وكان سموه المختص بمراجعة مخرجات الإدارة الحضرية قبل تعيينه أميناً لمنطقة الرياض. أما المحطة الثالثة فكانت عندما رافق سموه الملك سلمان -حفظه الله- أمير منطقة الرياض آنذاك- لافتتاح السفارة السعودية في أستراليا والتي كانت نقطة مفصلية في زيادة عدد المبتعثين السعوديين لأستراليا ونقل الملحقية الثقافية من باكستان الى أستراليا وزيادة مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والسياحية وتعزيزها بين البلدين. كنت طالباً في مرحلة الماجستير وسعدت حينها بالتواصل مع سموه والذي لم يفوت الفرصة للاطمئنان علي اجتماعياً ودراسياً وتقديم النصح والإرشاد. أما المحطة الرابعة فكانت بعد حصولي على الدكتوراه وعودتي من أستراليا عام 2007م، حينما منحني الفرصة بأمانة منطقة الرياض للمساهمة بمراجعة مخرجات دراسات النقل والتخطيط العمراني. ورغم ارتباطي بدوام كامل بجهات تنفيذية مختلفة ثم عودتي للتدريس بالجامعة إلا أن سموه، عرّاب التخطيط العمراني للمدن، ظلّ قريباً من الجميع مقدماً المشورة والرأي، وما أنا إلا أحد نجوم التخطيط العمراني أسبح في فلك فكر سموه وأستمد المعرفة وهي المحطة الخامسة.
عوداً على استعراض كتاب سموه «الإدارة المحلية والقطاع البلدي»، فإن أبرز مقومات نجاحه أميناً لمنطقة الرياض على مدى (15) سنة تعود أساساً لعمله تحت مظلة الملك سلمان -حفظه الله- أمير منطقة الرياض آنذاك- ودعمه للامركزية وتطبيقها على مستوى المنطقة والتي ترجمها الدكتور ابن عياف أثناء عمله في الأمانة ثم لاحقاً بتأسيس مركز الملك سلمان للإدارة المحلية في جامعة الأمير سلطان. يُضاف لذلك، خبرته العلمية في مجال التخطيط العمراني وإدارة المدن التي اكتسبها بمرحلتي الماجستير والدكتوراه، ورسالته مترجمة للغة العربية ومتاحة على موقعه الإلكتروني بجانب كتابه موضوع هذا المقال. كما يتميز سموه بتبني مبادرات خلاقة خارج النطاق التقليدي للعمل البلدي المركزي، يدفعه لذلك سعة الاطلاع على التجارب العالمية والطموح والإحساس بالمسؤولية، وحسن الاستماع للمواطن والمقيم وتفهم احتياجاتهم ومعالجة مشاكلهم وفتح بابه لهم بمقر الأمانة واستقبالهم في البلديات الفرعية والمحافظات.
وضح الكتاب أبرز التحديات في العمل البلدي وإدارة المدن، وأهمها العمل ضمن مركزية القرار تحت مظلة «مركزية مزدوجة» إحداها ممثلة بوزارة البلديات والأخرى بوزارة المالية (صعوبة التمويل والاستقلالية المالية).
أما التحدي الآخر فهو الانتقال من الاعتماد على الدولة في تكوين ميزانية الأمانة الى الاعتماد الذاتي على إيرادات الأمانة واستثماراتها. وهناك تحدٍّ آخر يتمثل في ضعف خبرة الكادر البلدي للإدارة المحلية والصورة الذهنية لدى المجتمع. أما المأزق الرئيس للقطاع البلدي فكان عدم استطاعة البلديات بأسلوب إدارتها الحالي وبإمكاناتها المالية المتاحة الاستمرار بتقديم الخدمات الأساسية فضلا عن تطويرها وزيادتها. لذلك اقترح سموه ضرورة التفكير خارج الصندوق وبعيداً عن رادار مظلة العمل البلدي التقليدي وبتفكير جديد وخلاق.
ختاماً، هذه التحديات لم تمنع سموه من تحقيق الإنجازات سواءً باغتنام الفرص المتاحة أو باقتناص الفرص الفائتة. ومن أبرز هذه الإنجازات، أنسنة المدينة على أرض الواقع كممرات المشاة والساحات البلدية في الأحياء، وقد بادر سموه مؤخراً بتأسيس «جائزة الأمير عبدالعزيز بن عياف لأنسنة المدن» لتشجيع المهتمين من أكاديميين وطلاب للبحث في مجال أنسنة المدن. كما وثّق الشراكة مع القطاع الخاص وعزز اللامركزية وشخّص واقع العمل البلدي ووضع الحلول ورفعها للوزارة. إلا أن هناك فرصاً ضائعة، كان يتطلع لتحقيقها، استعرضها سموه في الكتاب أبرزها تأسيس الصندوق البلدي للمدينة، والخصخصة البلدية، والإدارة المحلية وقد وضح العوائق حيالها. وعلى ذات النهج الذي رسمه والده، يستمر سمو أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور فيصل بن عبدالعزيز بن عياف لتحقيق مستهدفات الرؤية الوطنية 2030 وتعزيز تنافسية الرياض وتبوئها الريادة العالمية تحقيقاً لتطلعات القيادة -حفظها الله-، حيث يعتمد في إدارته لأمانة منطقة الرياض على مؤشرات أداء دقيقة يسعى لتحقيقها ومتابعتها لتحسين كفاءة العمل ورفع جودة الأداء.