علي الخزيم
- يتّضح من التَّجول بين مواقع التواصل الاجتماعي أن حسابات مُخاتلة تتعمَّد تزيِيف ونشر أخبار وقصص اجتماعية ووقائع وأحداث بين طبقات المجتمع؛ يسترسل المُتابِع بالتَّصفح بحثاً عن الحقيقة فلا ينتهي إلى نتيجة مُقنِعة، ويمارس مَهَارته بالتتبع - إن كان من أصحاب المهارات التّقنيّة - فيلمس أن بالأمر شيئاً مُريباً، فيزداد طمعاً بمعرفة سر هذا الطرح الذي يُثير الاهتمام والفضول والشكوك بآن واحد؟!
- كما يثير الدَّهشة ما يتضمنه المُحتَوى المُفتَعل بتلك الحسابات والمواقع من وصف للأوضاع الاجتماعية حولنا، فتُعمِل ذهنك وتحاور نفسك: هل يمكن أن يكون المجتمع بهذا السوء والتفكك؛ وهل من المُسلَّم به أننا مجتمع يعاني من أزمات بالترابط والتآلف والمحبة والإيثار، إذاً مَنْ هؤلاء الذين يَصْطفُّون بالمساجد؛ ويدلفون إلى صالات الأفراح ويعيشون المناسبات السعيدة؛ ويَلتئمُون بالحدائق والمتنزهات تحفّهم السعادة والوئام، فإن كانوا أشقياء مُتفكِّكين فما الذي يجمعهم متصافحين متسامحين تُشرِق في وجوههم الابتسامات اللطيفة؟!
- فنحن كمجتمعات وسَطِيّة معتدلة لا تّدَّعي المثالية وتؤمن بالفروقات الفردية: قد يكون بيننا الفاسد والمخادع والكاذب والانتهازي والأفَّاق ونحوهم؛ غير أن هذا لا يعني أننا - كما تزعم تلك الأبواق - مجتمع مُنفلت متفكك منحرف يغدر كل منا بالآخر ويسلبه حقوقه ويظلمه ما أمكنه ذلك إلى آخر مزاعم تلك الحسابات والتدوينات، حتى لئن المَرء ليكاد يشك بأقرب الناس إليه ويتوجَّس من كل كلمة؛ أو تصرُّف يصدر من الأقارب والأصحاب، فهل نُصدِّق أن واقعنا يقترب فعلاً من هذا المستوى الاجتماعي المتدني؟
- دقّق بالمحتوى المنشور أمامك؛ ثم استعرض التعليقات والردود، ستجد التقارب والتشابه بين الطرح والرد عليه، ما يعني أن تلك الحسابات تم التخطيط لها وزرع من يتولى إنشاءها والعمل عليها كمجموعات يَقبِض أفرادها مقابل الأتعاب كلٌ بحَسب وقاحته؛ وكلما أبدى المأجور مزيداً من البهتان والغثاثة والتضليل كانت المكافأة أكبر، إذن هي حسابات مُوجَّهة بالإصرار والترصّد ضد مجتمعنا الخليجي والسعودي بصفة خاصة.
- وما يزيد التأكيد بأنها قصص وروايات مختلقة مكذوبة هو الركاكة والتفكّك الواضح بصياغتها؛ وبُعدها الشاسع عن واقع مجتمعات الخليج حتى وإن حاول بعض مؤلفي تلك الحكايات إضفاء المصداقية باستحضار أسماء معروفة وعبارات وأمثال ومفردات يختص بها أهل منطقة الخليج العربي، وهذا من قبيل التَّذاكي والتَّعمِية على طرق الاختلاق والتزوير، وتكون الردود والتعليقات (المُصطَنعة) بذات السذاجة والسماجة، وتشعر - بل تقتنع تماماً - أن من صنع ذاك المحتوى الباهت يعاني من أزمات هو ومن وظَّفه لتلك المهمة الخاسرة.
- ومع القناعة الأكيدة لدى الأغلبية بخليجنا العربي الحبيب بأننا لسنا كما يَدّعي ويزعم الأفاقون بمنشوراتهم و(فبركاتهم) إلَّا إنك قد تقرأ أو تسمع من يُشير إلى بعض التأثير المحدود بين أوساط المراهقين والشباب لتلك الهرطقات الباطلة المغرضة، ويستدلون بوقائع وأنماط من المشكلات الاجتماعية والأسرية ويميلون إلى أنها ربما قد تلوَّثَت بغبار تلك القصص والروايات الكاذبة؛ لا سيما أن الشباب وصغار السن كالبيئة الخصبة لتلقيها والتأثر بها؛ فبات لزاماً علينا تحصِين الأسرة من عبث العابثين.