د. محمد بن أحمد غروي
فرض الذكاء الاصطناعي نفسه في جميع المجالات اليوم، ليصبح ضرورة حتمية في حياتنا فاتحًا الباب أمام إشكاليات أخلاقية، ففي آسيان، تنبهت العديد من الدول لتلك المعضلة القادمة وما قد تسببه من أضرار على شعوبها، فسنت قوانين وقواعد استرشادية جديدة؛ لتقليل المخاطر المستقبلية.
ورغم نجاعة الذكاء الاصطناعي الذي يهدف إلى توفير الوقت، وزيادة الإنتاجية، وتقليل الأخطاء البشرية من خلال اتخاذ القرارات من المعلومات والبيانات التي تم جمعها مسبقًا باستخدام مجموعة معينة من الخوارزميات، إلا أنه جعل البشر كسالى؛ بسبب أتمتة عملياته، مما قد يؤدي إلى مشكلة للأجيال القادمة، كما أضحى كابوسًا لزيادة البطالة.
مع غياب العواطف ضمن سلبيات الذكاء الاصطناعي، لن تستطيع أن تحل الآلة محل الاتصال البشري الذي يشكِّل الفريق وروحه، إلى جانب الإشكاليات الأخلاقية المرتبطة باستخدامه في مختلف المجالات ومنها المجال الطبي، وخطورة انتشار المعلومات المغلوطة والتضليل والزيف من وراء الاستخدام الكثيف لهذه التقنية.
اقتصاديًا، سيكون الذكاء الاصطناعي ذا أثر إيجابي، فوفقًا لتقرير الصناعة، سيسهم بحلول عام 2030 بمبلغ إضافي قدره 13 تريليون دولار أمريكي في الاقتصاد العالمي، أو 1.2 % من الناتج المحلي الإجمالي للكرة الأرضية.
مؤخرًا، أصدرت رابطة آسيان الدليل الاسترشادي للذكاء الاصطناعي، وتُعَد الوثيقة بمثابة دليل عملي للمنظمات في المنطقة التي ترغب في تصميم وتطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي التقليدية في التطبيقات التجارية وغير العسكرية أو ذات الاستخدام المزدوج، ويركز هذا الدليل على تشجيع المواءمة داخل رابطة أمم جنوب شرق آسيا وتعزيز قابلية التشغيل البيني لأطر الذكاء الاصطناعي عبر السلطات القضائية، كما يتضمن توصيات بشأن المبادرات على المستويين الوطني والإقليمي، فيمكن للحكومات أن تفكر في تنفيذ تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطويرها ونشرها بشكل مسؤول، وطالبت الوثيقة أيضًا بإنشاء مجموعة عمل لقيادة حوكمة الذكاء الاصطناعي والإشراف على المبادرات في المنطقة.
ويشير الدليل إلى عمل الدول الأعضاء معًا لطرح التوصيات الواردة فيه، بالإضافة إلى تقديم التوجيهات اللازمة لدول رابطة أمم جنوب شرق آسيا (ASEAN) التي ترغب في اعتماد مكوناته، على أنه قد أخذ بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية بين البلدان ويحدد فئات المخاطر غير المقبولة، ويهدف إلى توجيه الأنظمة المحلية.
رغم التوافق في هذا الإطار بين دول آسيان إلا أن دولاً ضمن الرابطة عمَّت على بلورة نظامها الخاص وتعزيزه، فعلى سبيل المثال، تسعى إستراتيجية الذكاء الاصطناعي الوطنية في سنغافورة إلى الريادة في تطوير ونشر حلول الذكاء الاصطناعي القابلة للتطوير والمؤثِّرة بحلول عام 2030، إلى جانب تركيزها الحالي على استخدامه في خمسة قطاعات رئيسية، وهي «النقل والخدمات اللوجستية، الخدمات البلدية، التنبؤ بالأمراض المزمنة وإدارتها، التعليم، وسلامة وأمن الحدود».
ليس لدى سنغافورة حاليًا تشريعات تنظم الاستخدام العام للذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، لديها تشريعات تتعلَّق بالأجهزة الطبية المدعمة بالذكاء الاصطناعي أو غير المدعمة، بموجب قانون المنتجات الصحية لعام 2007 .
ومن المتوقع أن تطرح ماليزيا مجموعة من القواعد لحوكمة الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مدونة أخلاقيات لهذه التقنية، على خلفية الاهتمام المتزايد بشركات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على توسيع نطاق وصولها إلى أسواق جديدة، وبحسب وسائل إعلام ماليزية، من المتوقع أن تكون المبادرة جاهزة خلال العام الجاري (2024)، وستعمل مدونة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي المرتقبة على تطوير سياسات وقوانين لتعزيز وتنظيم الذكاء الاصطناعي؛ لضمان استخدام التكنولوجيا بشكل آمن وأخلاقي ومسؤول.
أما في إندونيسيا، فذكرت وزارة الاتصالات والمعلومات، في يناير الماضي (2024)، أنها تخطط لوضع لائحة جديدة بشأن الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى البلاد إلى الانتقال من المبادئ التوجيهية الأخلاقية الناعمة إلى قواعد ملزمة قانونًا، فيما يعتبر إصدار اللائحة الوزارية بمثابة نقطة انطلاق نحو قانون شامل للذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يتطلب من الحكومة استكمال الإجراءات التشريعية الأكثر تعقيدًا.
ويتمتع مجتمع الذكاء الاصطناعي في فيتنام، بإمكانات كبيرة، فقد وضعت الحكومة سياسات لتعزيز تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الإستراتيجية الوطنية للبحث والتطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، وبموجب ذلك ستعمل البلاد على تكثيف البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي وتحويل القطاع إلى مجال تكنولوجي مهم في فيتنام، وسيساهم البحث والنشر في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
خلاصة القول، إن الذكاء الرقمي متسارع لكننا بحاجة ماسة إلى بلورة أخلاقياته وسن قوانين تحد من خطواته التي تجرنا إلى الهاوية.