خالد بن عبدالرحمن الذييب
كانت قبيلة جرهم تدور في غرب الجزيرة العربية تبحث عن مكان لتبيت فيه فترة من رحلتها، رأوا طيوراً تحوم أعلى السماء في إشارة إلى وجود عنصر حياة، وكأن أحدهم هتف قائلاً: هناك حياة، هناك ماء، مثلهم مثل البحارة إذ يرون جزيرة فيصرخ أحدهم بأعلى صوته «الأرض، الأرض»، وكأن هذا الإنسان العجيب دائماً ما يبحث عما يفقده فإذا وجد الماء بحث عن الأرض، وإذا كان على الأرض بحث عن الماء. وصلوا إلى المكان، رأوا امرأة معها طفل بجوار بئر يفيض منه الماء، في تلك اللحظة كان هناك قبيلة في مواجهة امرأة، وطفل رضيع.
ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى ثم لمروءة احتلت نفوس رجال تلك القبيلة قاموا بالتفاوض مع المرأة حيال البئر، ومن هنا نشأت أقدس مدن الأرض. الماء هو الأساس، وبلغة أهل هذا الزمان، هو الاقتصاد، فالماء منه يروي الناس عطشهم، ومنه يزرعون أكلهم ويسقون حلالهم وأغنامهم، فهو الباعث الاقتصادي الأهم في تكوين المدن، فالقرب من مصادر المياه ارتبط بظهور الحضارات، ولكن، هل هذا كل شيء؟!
فبعد الحصول على الماء وتوفير الجانب الاقتصادي للمدينة يأتي العنصر الثاني المهم وربما الأهم لاستمرار وبقاء المدن والمجتمعات وهو الأمن والأمان. ففي سورة قريش يذكّر الله عباده أولاً بأنه: {أطعمهم من جوع} أي وفر لهم الغذاء والشراب لبقاء الحياة (جانب اقتصادي)، ثم بعد ذلك «آمنهم من خوف»، أي وفر لهم أسباب الأمان (جانب الأمان). إذن فإن التنمية المكانية لها عاملان أساسيان لنشأتها والحفاظ عليها، وهي الأمان والاقتصاد.
ولنا في نظرية ماسلو مثال هام، وهي نظرية خلاّقة من عالم النفس الأمريكي، والتي تقول: إن هناك هرماً للاحتياجات الأساسية للإنسان، والتي ترتكز قاعدته على عنصرين أساسيين (الحاجات الفسيولوجية، والحاجة للأمان) وهما نقطتان لا يمكن لهما النجاح أو البقاء دون وجود مدينة تتمتع بأمان حقيقي واقتصاد رفيع.
كثير من المدن في العالم تفتقد أهم عنصري البقاء أو واحد منهما على الأقل، الأمان والاقتصاد، وبعضها فقدها كلها. فهم كمن يقفز مرحلة دون أن يمر بمرحلة سابقة.
أخيراً...
الحرية بدون الأمان تعتبر فوضى، والتنوع بدون اقتصاد يصبح فقراً..
ما بعد أخيراً ...
«من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدينا بأسرها». صدق نبينا صلى الله عليه وسلم.