خالد بن حمد المالك
سوف تتوقف حرب غزة بكل فواجعها وجرائمها ودماء الأبرياء فيها، ولن يطول استمرارها، ولن تفضي إلى نتائج تخالف الموقف الأمريكي المنحاز ضد قيام الدولة الفلسطينية، حتى وإن صرح ساسة أمريكا جهراً بغير ذلك.
* *
فإسرائيل وتوجهاتها تضغط على الانتخابات الأمريكية، وتقرر مَنْ سيكون وجهته للسكن في البيت الأبيض، واليهود في أمريكا هم اللاعب الأول والأكبر اقتصادياً ومالياً وصناعياً وإعلامياً في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فلهم دورهم في دعم أمريكا للتوجه نحو لا دولة للفلسطينيين.
* *
صحيح أن طوفان الأقصى، والأسرى لدى حماس، وخسائر الجيش الإسرائيلي في الحرب البرية بغزة، كلها حرّكت الحديث عن خيار الدولتين، وأن لا سلام، ولا استقرار في إسرائيل وفي المنطقة دون قيام دولة للفلسطينيين، غير أن مثل هذا الكلام ربما أنه لا يعدو أن يكون للاستهلاك، ولتبرير المواجهات الساخنة، بسبب جرائم وعدوان إسرائيل.
* *
فإسرائيل تمارس في عدوانها ما يُطلق عليه جريمة حرب، وإبادة جماعية، والعمل على تهجير الفلسطينيين، والفرز العنصري، والتصريح بأنها ستعود إلى احتلال غزة، وأن على الفلسطينيين (الفقراء!!) كما تقول أن يبحثوا لهم عن مأوى في غير قطاع غزة، وأن على الدول أن تشجعهم وتقبل بهم لأن هذا هو السلام بالمفهوم الإسرائيلي العنصري.
* *
والأمر لا يقتصر على قطاع غزة، فها هي إسرائيل تعلن عن موافقتها على بناء أعداد كبيرة من البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية ضمن سياسة التهويد، بينما يستمر الحديث عن دولة للفلسطينيين لدى صناع القرار في أمريكا والغرب، مع استمرار الحرب المؤيدة من حلفاء إسرائيل الداعمين لها بالمال والسلاح والسياسة وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
فكيف نصدق التصريحات الأمريكية والدول الأوروبية بأن هناك عملاً يجب أن يتم لقيام الدولة الفلسطينية على أراضي حدود حرب 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وإسرائيل على لسان رئيس وزرائها، وحكومتها المتطرفة تعلن بأنها لن تسمح بقيام الدولة الفلسطينية، مهما كان عليها من ضغوط، لأن قيامها يشكل خطراً على مستقبل بقاء إسرائيل.
* *
أقول بعد كل هذا: إذا كانت النوايا صادقة، والعزيمة قائمة، والشعور بأن هناك ظلماً على الشعب الفلسطيني باحتلال إسرائيل لأراضيه، وأن هناك عدالة دولية تقوم على خيار الدولتين، فلماذا يتأخر الإعلان عنها رسمياً، ويؤخذ بها قرار مُلزم من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بدلاً من التسويف، وذر الرماد في العيون.
* *
نعم أعلنوا عن الدولة الفلسطينية سريعاً وفوراً، وابدأوا بالترتيبات لمولدها، والزموا إسرائيل بها، وهنا يكون تطبيق حقوق الإنسان، والحرية، والديمقراطية، وحق الإنسان الفلسطيني في الحياة الحرة الكريمة، وما عدا ذلك فهو من قبيل الاستهلاك، والقفز على أصل وجذور المشكلة وتداعياتها.
* *
حتى وإن توقفت الحرب، حتى وإن أُفرغت غزة من حماس، فإن حماساً أخرى سوف تتشكل ممن بقي من الأحياء في هذا القطاع المنكوب، وستعود الحرب من جديد، وستظل إسرائيل في حالة من الارتباك، وعدم الاستقرار، وفقدان الأمن، والخوف من أي شبح على أنه مقاوم فلسطيني، ما بقي الاحتلال البغيض في الأراضي الفلسطينية.
* *
مُختصر الكلام، إننا أمام آخر أرض محتلة في العالم لشعب قائم عليها، وأمام أكثر الدول ممارسة للإرهاب ضد شعب تُحتل أرضه، وأمام عدالة لا وجود لها لدى دول كبرى تُمارس الموبقات في دعم الظلم والقهر والعدوان، وتتحدث بما يخالف هذه الممارسات العدوانية، والدليل دعمها لإسرائيل في المجازر، وحرب الإبادة، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه منذ 75 عاماً وإلى اليوم.