د. محمد عبدالله الخازم
تعاني العلوم السلوكية والنفسية لدينا أزمات فكرية وعلمية تؤثر على هويتها وكينونتها. طبعاً لا أكتب عن المكونات المهنية والتطبيقية، فلست متخصصاً. هناك أزمة كونية وهناك أزمة محلية؛ على المستوى الكوني ووفق مقال نشر بموقع Thecoversation.com عنوانه (لا يمكنك وصف الطبيعة البشرية إذا كانت الدراسات تتجاهل 85% من سكان الأرض) وخلاصته أن أغلب أبحاث ودراسات علم النفس تنتج من مجتمع غربي لا يمثل سوى 15% من سكان الأرض، ورغم ذلك تعمم نتائجه على بقية العالم وهذا يتناقض مع طبيعة العلوم السلوكية والنفسية والأنثروبولجيا والاجتماع وغيرها مما يرتبط ببيئته بالدرجة الأساسية.
هذا يقود إلى انحيازات وتفسيرات للسلوك البشري قد لا تكون دقيقة لأنها تعتمد على دراسات نتجت في بيئات مختلفة تماماً عن بيئتنا. مثلاً، كيف تعمم نظرية أو نتيجة في العلوم النفسية وما يرتبط بها من قياس وفحص على مجتمع عربي أو إفريقي، رغم أنها أجريت على مجتمع غربي له معتقداته وعاداته ومستوياته الفكرية والفلسفية والتعليمية المختلفة؟
إذاً، هي أزمة تتطلب مزيداً من الجهد لردم فجوتها في المجال البحثي والعلمي من قبل علماء ومتخصصي علم النفس المحليين.
ذلك المطلب، لكن الواقع مؤلم بالذات مع عدم اهتمام دولنا بالبحث العلمي وجودته في مجالات العلوم الإنسانية بصفة عامة. لدينا عجلة لأن نصبح تقنيين وعلميين دون تأسيس كافٍ في العلوم الفكرية والإنسانية والثقافية...
تلك الأزمة الكونية، أما محلياً فالأزمة برزت في مجال علم النفس الإكلينيكي أو الصحي، بما انعكس على توجهات تعليمية. المعتاد هنا تدريس علم النفس كبكالوريوس في كليات التربية، ومن ثم يأتي التخصص بعد الشهادة الجامعية عبر الممارسة أو دراسة عليا، دبلوم أو ماجستير. هذا النموذج، أصبح محط نقد من قبل خبراء علم النفس الإكلينيكي/ الصحي، لأنه ارتبط بكليات التربية وتدريسها بالعربية ومدخلاتها من خريجي التخصصات الأدبية.
يرون اللغة الإنجليزية مهمة للممارسة حيث هي لغة الممارسة الصحية في المملكة بصفة عامة، ويرون نقصاً في فهم الجزئيات المتعلقة بتشريح وفسيولوجيا الدماغ والأعصاب وتراكيب الأدوية وغيرها من المجالات التي اعتدنا تصنيفها ضمن مسار الدراسة العلمي وليس الأدبي.
على المستوى العالمي تختلف المدارس لكن النموذج الأبرز هو التخصص في علم النفس العام في الدرجة الجامعية ثم الدراسات العليا في التخصص الفرعي، إكلينيكي، تربوي، صناعي، موارد بشرية، إلخ. أي أنه يتم دراسة أربع سنوات في مجال علم النفس، ثم سنة أو سنتين في التخصص الفرعي الذي يسمح بالممارسة المهنية في أحد مجالات علم النفس.
أحد الحلول، والذي يبدو أن هناك توجهاً كبيراً نحو تبنيه على المستوى الوطني، هو اعتبار تخصص علم النفس الإكلينيكي تخصصاً مباشراً (يكفي لممارسته الدرجة الجامعية وليس الدراسات العليا) يتم دراسته في كليات العلوم الطبية أو الصحية، حيث الدراسة في تلك الكليات باللغة الإنجليزية، ويمكن فهم بيولوجيا وتشريح الدماغ باعتبار مدخلات تلك الكليات هو مسار الثانوية العلمي. ملحوظة جانبية: هذه إحدى سوءات تقسيم التعليم الثانوي إلى مسارين علمي وأدبي، فما الذي سيحدث بعد تقسيمه إلى مسارات عدة؟!
ومزيد من الأسئلة دون جزم بإجاباتها؛ هل علم النفس تخصص صحي/ علمي تطبيقي أم علم فكري/إنساني؟ هل تكفي سنتان لتخريج ممارس نفسي متمكن، باعتبار العلوم الصحية/ التطبيقية سنتين فقط بعد السنوات التحضيرية؟ ربما نحصل على ممارسين لكن هل سنحصل على مبتكرين وباحثين ومتمكنين من أدوات القياس المختلفة في مجالات علم النفس والسلوك؟
**
شكراً للزميل د رويشد الرويلي، على المرجع أعلاه.