عبده الأسمري
جادت حنجرته بالصوت الشجي وسادت مهارته بالصدى الندي في نداء الحق محولاً «الأذان» إلى «لحن» سماوي يعطر الأسماع ويبهج الوجدان في تشكيلة «مهارية» تعانقت مع التذوق وترابطت مع التقى..
ما بين تعظيم «الخالق» ووجوب «الشهادتين» ونداءات عامرة بالصلاة ولاءات غامرة بالألوهية وشعيرة «توحيد» وشعور «تمجيد» أطلق «النداء» جامعاً مابين جدارة المهام ومهارة الإلهام.
وسط «مكبرات» الجوامع و»مدارات» الجموع و»مسارات» الجماعة حضر بأناقة صوتية فاخرة ملأت الأرجاء بعبارات تسعد «الفؤاد» وكلمات تؤكد «الانفراد» في محفل ديني يرفع راية «الروحانية» ويحقق غاية «الطمأنينة»..
تشرّبت «ذاكرة» الزمان والمكان أثر الأداء وتأثير الاستثناء في طبقات صوته وتطابق صداه كنسخة فريدة وسط أجواء «العبادة» وفي ثنايا «المواسم» وأمام فواصل «التوقيت».
إنه مؤذن الحرم المكي ومسجد نمرة بمزدلفة الشيخ فاروق حضراوي أحد أشهر وأمهر المؤذنين في العالم الإسلامي.
بوجهٍ حجازي مسكون بمعاني «الوقار» وسمات «الاقتدار» وتقاسيم مكية بواقع الأصول ووقع الفصول تتماثل مع والديه وتتكامل مع أسرته وملامح ودودة تتمازج مع «قيمة» المهنة وتتماهى مع «مرام» المقام ومحيا عامر بالنبل وغامر بالفضل وأداء استثنائي قوامه «الجودة» ومقامه «الإجادة» وأناقة تعتمر «البشوت» الملونة ولسان «فصيح» القول «حصيف» اللفظ وظهور مشرق تعتز به «الذاكرة» ويسمو به «الاستذكار» وصوت مسجوع بترانيم» لفظية» و»ألحان» سماوية ومفردات» سامية» قضى حضراوي من عمره عقوداً وهو يردد صوت «الأذان» من أطهر البقاع ويعلو صدى «الذكر» بأزهى صور الإبداع رافعاً النداء الأجمل وصادحاً بالقول الأمثل في أعلى «مشاهد» التقوى وأزهى «شواهد» اليقين مؤذناً ملأ «المشاعر المقدسة» برياحين «العطاء» ومضامين» السخاء» في احترافية سكنت «الشعور» وتأصلت في «الأنفس» وتعمقت في «الأرواح» وارتبطت بمواسم» العبادة» وترابطت مع «مراسم» الريادة» في شعائر»الصلاة» ومشاعر»الصلة» بين أركان «الإسلام» وأسس «الإيمان» وصروح «التقوى».
في العاشر من رمضان عام 1365 ولد حضراوي في مدينة الطائف أثناء إقامة أسرته هناك في يوم «بهيج» امتزجت فيه «الدعوات» و»الأمنيات» بعبير «التهاني» وملأ الفرح اتجاهات «العائلة» وتشربت أذنه اليمنى «وليداً» الأذان الذي كان «تذكرة» أولى لعبور آفاق «المصير» وترتيب مواعيد «المستقبل» وامتلأت «أذنه» اليسرى بالإقامة التي كانت «استقامة» مثلى لتجاوز جسور «الحديث» وتأصيل صروح «الغد» ورُبيَّ صغيراً في كنف «أسرة» متدينة علمته ماهية «التوجيه» سراً وجهراً فنشأ مخطوفاً إلى «نصائح» النجاح و»لوائح «الفلاح» في طفولة باكرة هيأته إلى بطولة مبهرة انتظرته في حيز «القدر».
ركض طفلاً مع أقرانه في حارات الشام والشبيكة والباب بمكة المكرمة وتعتقت روحه بنفائس «المشهد» المهيب وأنفاس «المحفل» العجيب وهو يراقب «جموع» المصلين و»جمع» المعتمرين وهم يرسمون «البياض» حول الكعبة ووجّه نظراته من أمام قلعة جبل هندي المطل على المسجد الحرام لتترسخ في ذاكرته الغضة تلك «المعاني» الإيمانية والتي كان عنوانها «صوت الأذان» الذي غمر قلبه واستعمر داخله فمضى يكتب أمنياته من بوابة «التأثر» الصوتي بأصوات فريدة ارتبطت بصلوات «البيت» العتيق وترابطت مع الأصداء القولية التي اكتظت بها أحياء أم القرى وغمرت المكان والزمان بجمال القول وامتثال الدعاء.
اعتاد حضراوي كل مساء بإلقاء بروفاته «الجميلة» بصوته «الأصيل» المدفوع بالحب والمشفوع بالعشق ليحيل ليالي أسرته إلى تراتيل صوتية تحولت إلى «تأكيدات» بالنبوغ الباكر لمشروع مؤذن فريد لينضم إلى «عقد» المؤذنين الساطع بالمواهب واللامع بالمبدعين.
ظل ينصت لأصوات المؤذنين السابقين فارتهن إلى جودة الصوت لدى يعقوب شاكر، ومدى الخبرة عند حسن لبني، وتناغم الصدى عند عبد الله بصنوي، وجمال اللحن لدى صالح فيده، وسكنه الاختصار عند عبد الرحمن مؤذن، وظل يشكل توليفته الخاصة التي جمعت التناغم الصوتي والتواؤم اللفظي.
التحق حضراوي عام 1371هـ بالمدرسة العزيزية الابتدائية وحفظ أجزاءً من القرآن الكريم على يد الشيخ محمد أمين ميرداد، ثم أكمل دراسته في المدرسة السعودية، ثم المدرسة الرحمانية المتوسطة ثم درس في ثانوية العزيزية وحصل منها على شهادة الثانوية العامة وبدأ حياته العملية عام 1385هـ موظفاً بوزارة الحج والأوقاف (وزارة الحج والعمرة حالياً) وظل فيها لسنوات في مواقع مختلفة حتى استقال منها سنة 1405هـ، ثم عاد إليها متعاقداً بناءً على طلب من وزير الحج والأوقاف حينها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد عبد الواسع، واستمر فيها حتى عام 1431هـ.
ارتبط حضراوي بالأذان في سن مبكرة حيث كان يؤذن في المدرسة بطلب من معلميه الذين اكتشفوا مهارته الفردية في ذلك ثم استمر ليؤذن في مواقع أخرى ومناسبات مختلفة.
ولأنه مسكون بالحرفة فقد تطوع وهو دون السابعة عشرة من عمره بالأذان في مسجد حي الروضة واكتشف أداؤه الجميل إمام المسجد حينذاك الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد ثم انتقل عام 1381 للأذان في مسجد آخر في حي الروضة مع المؤذن الشيخ عبد الله بن عبد القادر سباك.
ونظراً لسيرته المتميزة وسمعته المميزة التي ظلت حديث «المجالس» المكية تم تعيينه رسمياً عام 1394هـ مؤذناً في مسجد السيدة عائشة (مسجد العمرة)، وظل فيه حتى عام 1403هـ حيث انتقل عمله إلى الرياض ورفع الأذان من مسجد رئاسة مجلس الوزراء وتعين مؤذناً في مسجد الإمام محمد بن سعود الكبير حتى سنة 1405هـ حيث انتقل إلى مكة المكرمة مرة أخرى وظل في «ارتباط» مستديم مع حرفته وتسخير إمكانياته وتوظيف مهاراته حيث ظل يؤذن في مسجد الشيخ عبد القادر فقيه في حي العزيزية، مساعداً مع المؤذن الرسمي ثم تم ترشيحه بعدها من الشيخ عبدالرحمن فقيه ليكون مؤذناً رسمياً في هذا المسجد حتى عام 1431هـ.
وقد تم تعيينه منذ عام 1403هـ مؤذناً موسمياً في مساجد المشاعر الثلاثة (منى ومزدلفة وعرفات)، حيث كان يؤذن فيها أثناء ترتيب المناسك ثم اكتفى بالأذان في مسجد نمرة بداية من عام 1410هـ
وفي محرم 1415هـ صدر القرار بتعيينه مؤذناً رسمياً في المسجد الحرام وله مشاركات في الأذان في الخارج في عدة مناسبات حيث رفع الأذان في العاصمة البريطانية لندن لعامين على التوالي 1428هـ، 1429هـ.
مسيرة حافلة قضاها الشيخ حضراوي في مقامات «التكبير» ومفردات «التهليل» وتكبيرات «التوحيد» التي ملأت الأرجاء بأريج «العبارة» وعطرت الأجواء بعبير «الرحمة» وعطرت الأذان بأثير «السكينة».