د.شريف بن محمد الأتربي
تعمل الدولة -أعزها الله- بكل جهد لتوفير كافة مقومات نجاح العملية التعليمية من حيث البيئة الصفية، والبيئة المدرسية، والمقررات والمناهج واختيار أنظمة تعليمية تتوافق مع النظرة المستقبلية للتعليم، ورغم ذلك يظل المعلم هو العمود الأساسي لهيكل العملية التعليمية والداعم الأول لها، ولما لا وهو يمثّل سفير التعليم لدولته أمام الطلبة بكافة أطيافهم.
تحرص الدولة عند اختيارها للمعلمين أن يحصلوا على أعلى الشهادات العلمية التخصصية، إلى جانب اجتياز الاختبارات المؤهلة، مع إلزامهم جميعاً بالحصول على الرخصة المهنية للمعلم، ناهيك عن توفير برامج تدريبية تخصصية لهم تدعم قدراتهم، وتزيد خبراتهم، وبالتالي تنقل مسؤولية تعليم الطلبة من المجتمع كله، إلى فئة مختارة بعناية من أبناء المجتمع، أو ضيوفه من الدول الأخرى.
وضع الخبراء التربويون جل فكرهم في صياغة خطط وإستراتيجيات التعليم، أو التدريس لتكون نبراساً للمعلمين يقتدون بها سواء كان هذا الاقتداء كلياً أو جزئياً، لننتقل بعد ذلك إلى مرحلة التطبيق والتي سيوضع فيها المعلم على المحك الرئيسي أمام طلابه، فأما النجاح للجميع، أو -لا قدر الله - فشل مريع يعاني منه الأبناء على مدى السنين القادمة في حياتهم العملية.
وحتى يضمن المعلم بعد الثقة بالله في نجاحه عليه أن يبدأ قبل الآخرين، أن يستعد لهذه المقابلة الفاصلة في حياته والتي ستتكرر بصفة يومية وعلى مدار ما يقارب 10 % أشهر هي مدة العام الدراسي، ومن أجل ذلك يجب على المعلم أن يتعرف على محتواه التعليمي بكل دقة، وأن يستوعب كل الأفكار المدرجة به، وأن يجمع الأهداف المعرفية معاً، والمهارية معاً، والسلوكية معاً ليرى أيها ترتبط ببعضها البعض ولا يمكن تحقيق أحدها دون أن يحقق الطالب الهدف الذي يسبقه، بل إن كثيراً من الأهداف المرجو تحقيقها ترتبط أيضاً بمقررات أخرى يجب أن يخضع الطالب لها.
بعد هذا التحليل العميق للمحتوى العلمي، يأتي دور الوسائل التعليمية المعينة والتي تبدأ بالسبورة داخل الفصل ولا تنتهي أبداً، فكل مكونات الكون هي وسائل تعليمية صالحة للمساعدة في تحقيق أهداف التعلّم.
من أهم الوسائل التعليمية التي حصل عليها المعلم هي تقنيات التعليم، وهي كل الوسائل التقنية المساعدة للمعلم داخل أو خارج الفصل، وحتى يستفاد من هذه الوسائل يجب على المعلم أيضاً أن يقوم بتحليل هذه التقنيات والأدوات تحليلاً دقيقاً، وأن يربط بينها وبين أهداف التعلّم السابق استخراجها من المحتوى العلمي للمقرر الدراسي، ولا ينبغي أن يكون المعلم مجرد مستخدم لهذه التقنيات أو الأدوات، بل ينبغي عليه أن يطوعها لتحقيق غايات استخدامها، وأن يعمل على إكساب طلابه مهارات استخدامها الذاتي وتحقيق كفاءة استخدام نطمح أن تصل إلى نسبة 100 %.
إن اقتصار دور المعلم على إثبات استخدامه لهذه التقنيات من خلال دفتر التحضير ليس هدفاً مقبولاً لا من الدولة ولا من المجتمع، فما أنفق على هذه التقنيات مئات الملايين بغرض تنشئة جيل متسلح بالعلم والمعرفة والتقنية، لذا فإنه من الضروري والمهم أن يعمل مديرو المدارس، والمشرفون التربويون معاً على التأكد مما يقدم لأبناء المجتمع داخل وخارج الفصول الدراسية، وأن يكونوا هم أنفسهم قادرين على توجيه معلميهم للاستفادة مما تقدمه التقنيات من تسهيلات للطلبة في رحلتهم التعليمية، ومن المهم أيضاً مشاركة الطلبة أنفسهم في تقييم العملية التعليمية، وقياس مدى نجاحهم في الاستفادة من هذه التقنيات لخوض رحلتهم التعليمية داخل الفصل وخارجة.
إن تشكيل لجنة من الخبراء والحكماء والتقنيين لوضع ميثاق استخدام التقنية من قبل المعلم والمتعلمين يمثّل أهمية قصوى في وقتنا الحالي نظراً لما تتميز به التقنية من تغير سريع، وتنوع في الاستخدام ويكون دور هذه اللجنة المتابعة الدورية واللحظية لما يتم تقديمه داخل الفصول الدراسية من خلال لوحات البيانات، والكاميرات، واستخدام كافة التقنيات الممكنة وبالتالي لن تكون أموال الدولة قد ذهبت هباء منثورا بل ذهبت في علم معمور، ويكفي ما تكبدته الدولة من خسائر نتيجة التخطيط الخاطئ والتسرع في اتخاذ القرار وعدم المتابعة والمساءلة.
حفظ الله الوطن وأبناءه.