د. نايف هشال الرومي
إن التغييرات الحاصلة في المجتمع بسبب التحولات الكبيرة في التقنية ليست تغييرات سطحية ولا تجميلية، بل هي تغييرات أساسية في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية وبالتأكيد طريقة تعلمنا. إننا أمام جيل جديد بدأ يتشكل وبشكل واضح مع دخول الألفية الثالثة، جيل لديه القدرة على تشكيل عالمه الافتراضي. وكما يقول (جيرمي رفكن) في وصفه لهذا الجيل في كتابه «عصر الفرص» 2003،» إنه جيل اعتاد النفاذ السريع للمعلومات واستعادتها، واهتماماته آنية، كما أنه أقل تفكيرًا وأكثر تأملاً وأكثر تلقائية. وهو جيل ينظر إلى نفسه لاعبًا وليس عاملاً. وهو جيل يميل إلى التحرر من القيود والالتزامات التي تسبب له القلق النفسي، ولديه القدرة على معالجة البيانات التقنية».
وعلى هذا الأساس، تقود التقنيات الرقمية إلى تغييرات مهمة في جوانب عديدة من حياتنا وفي نفس الوقت تخلق فرصًا كثيرة في مجالات عدة وخاصةً فيما يحتاج أن يتعلمه الناس. إن إحدى الميزات الرئيسة بل والأكثر تميزًا في التقنية الرقمية التي بين أيدينا هي أنها لا تخدم فقط المتعلمين والمعلمين داخل أسوار المدرسة ولكنها تمكنهم أيضًا من بناء بيئات افتراضية من التعلم القائم على التعاون والتشارك. لأجل هذا على التعليم أن يتعامل مع احتياجات الجيل الجديد، والتعامل مع الفرص والممكنات ذات المؤشرات العالمية المستقبلية.
نعايش اليوم عصر المعلومة المتجددة والتقنية المتطورة والمتغيرة بشكل يجعل متابعتها ليس أمراً يسيراً، فحسب تقديرات موقع Internet World State فقد قفز استخدام الانترنت من عام 2000 الي عام 2023 أكثر من 1000 %، ووصل عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية حتى عام 2023 إلى 6,1600 «ستة مليارات ومائة وستون مليون نسمة». منذ بدء ثورة التقنية والمعلومات والمعرفة والمجتمعات تتغير ليس بشكل سريع فقط بل وبشكل جذري، ثورة جعلت العالم يعيش تحولاً كبيرًا في مختلف جوانبه، حيث يعد الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence والبيانات الكبيرة Big Data والواقع المعزز Augmented Reality وانترنت الأشياء Internet of Things من المؤشرات الرئيسة للثورة التقنية والمعرفية، هذه المؤشرات تقود إلى عالم مترابط بشكل غير متخيل، يصاحبه تحديات كثيرة وفرص غير مسبوقة. هذه التحديات والفرص تتطلب استجابة سريعة وقوية من متخذي القرار استجابة تعزز اتخاذ خطوات تطويرية، مع تحسين جودة أداء المؤسسات العامة للدولة.
كل هذه التغييرات تتطلب منا تغييرًا في طريقة التفكير والتخطيط والسرعة التي يتم التعامل فيها مع مثل هذه القضايا; والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت هناك مجتمعات جديدة سوف تتشكل فأين مكاننا بينها؟ في تقرير لشركة PWC عام 2017 حول التوقعات لحالة الاقتصاد العالمي في عام 2050 تأكيد على أن مواجهة التحديات وتحقيق النمو والتطور على المدى الطويل تحتاج من الدول إلى إصلاحات هيكلية وتحول وطني يشمل تطوير المؤسسات العامة للدول، فضلًا عن تطوير الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى تطوير السياسات والإجراءات والأدوات القانونية. كما يجب القيام باستثمار مستدام وفعال في التعليم وفي البنى التحتية والتقنية. كل هذا من أجل خلق حوافز للبحث والابتكار وريادة الأعمال وخلق اقتصادات آمنة وموثوقة.
إن تأثير الثورة التقنية والمعلوماتية لن يكون على الإنسان وثقافته فقط بل خلقت وستخلق موجات كبيرة من التأثير والتحول الاقتصادي والصناعي حيث سيكون للذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence وانترنت الأشياء Internet of Things دور كبير في التحول نحو اقتصادات كبرى، دور الإنسان فيها بسيط. إن التعامل مع تلك الموجات الكبيرة يتطلب وفق تقرير مستقبل المعرفة الصادر في 2018 عن مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة بالتعاون مع UNDP والذي تناول عشرين دولة، استعداداً مستقبلياً مميزاً في مؤشرات عدة أهمها الاستعداد التقني وفق المؤشرات العالمية والاستعداد بمهارات المستقبل.