خالد بن حمد المالك
أمريكا تريد استتباب أمن حركة الملاحة في البحر الأحمر، وهي قادرة على تحقيقه، لكنها في المقابل لا تريد أن يكون ذلك على حساب التنظيم الحوثي، ولا على حساب إضعاف قدراته، ولهذا فردعها للحوثي محدود التأثير، لأن لأمريكا والغرب مصلحة في وجود نزاعات بين دول المنطقة يسمح لها بالتدخل، ويعطيها المبرر لذلك.
* *
أمريكا مع تأمين أمن إسرائيل، وتمددها، واحتفاظها بالأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكنها لا تريد أن تفرط في حزب الله اللبناني، مع أنها قادرة على ذلك، لولا أن لها مصالح في وجود تنظيم لبناني غير شرعي، حتى وإن تطلبت بعض الأسباب إلى وجود مناوشات بين إسرائيل وحزب الله، لكن القضاء على الحزب غير وارد.
* *
وأمريكا مع وجود خلافاتها مع إيران، لكنها تحافظ على قدر كبير من ضبط النفس وعدم التصعيد معها، بحيث لا تمس ما يؤجج تعميق هذه الخلافات، ولهذا فهي تتسامح مع ممارسات الحشد الشعبي العراقي الموالي لإيران، وتتفهم التدخل الإيراني في الشأن الداخلي بالعراق.
* *
وفي نفس السياق فأمريكا مع أمن أكراد العراق في إقليم كردستان، تدعمهم، وفي المقابل لا ترى بأساً من الضربات التركية الموجهة لهم حيناً، وتعرض المناطق الكردية العراقية إلى هجمات إيرانية أحياناً أخرى، لأن السياسة الأمريكية ومصالحها تأتي من تشجيع الخلافات في المنطقة، وإشغال دولها بالحروب لمصالح أمريكية تقدرها واشنطن.
* *
في السودان يجري القتال بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، ولا تتوسط أمريكا لإنهائه مع قدرتها على ذلك، لأن مثل هذه المواجهات تصب في مصلحة أمريكا، حتى ولو كان ذلك على حساب تدمير السودان، وإفلاسه، وقتل وجرح آلاف المواطنين.
* *
وما يجري من حرب أوكرانية - روسية، وأمريكا -كما هو معلن - ضالعة فيه، وليست بعيدة عنه، وهي من تغذي هذه الحرب، دون النظر لتحويل أوكرانيا إلى دولة منكوبة، وشعبها بين قتيل وجريح ومهجر، لأن وجهة النظر الأمريكية أن هذه الحرب كلما طال أمدها، كان ذلك سبباً في إضعاف القدرات العسكرية والاقتصادية في روسيا، وهذا مطلب أمريكي مهم، بحسب التصور الأمريكي.
* *
وما يجري في إثيوبيا والصومال وليبيا وسوريا وغيرها كثير، فلا يغيب عن الذهن لمن يتابع التطورات والأحداث في هذه الدول أن أمريكا لها حضورها المؤثر في الخلافات والصراعات القائمة، وثم فموقفها السلبي ينبع من مصالحها دون النظر إلى مصالح المتضررين.
* *
ومن المؤكد، أن أول ما تفكر فيه أمريكا متى رأت ضرورة التدخل، أو الانغماس في هذه الأحداث النظر إلى أين موقع مصالح إسرائيل فيه، فمصالح تل أبيب لها الأولوية، وهي في كثير من المواقف الأمريكية تأتي من الإشارات الإسرائيلية التي تحدد المصالح الإسرائيلية، وثم المصالح الأمريكية.
* *
وأي كلام يتحدث عن أن أمريكا تعتمد في مواقفها وسياستها إلى تأمين السلام والاستقرار في العالم، هو كلام أبعد ما يكون عن الواقع، كلام لا ينطلي حتى على محدودي المتابعة للنزاعات والصراعات والحروب في العالم، فمسؤولو الولايات المتحدة لا يترددون في الإفصاح عن مواقفهم بصرف النظر عن التنديد بها واستنكارها.
* *
ولهذا السبب وأسباب أخرى كثيرة، فإن أمريكا لا تتمتع بالاحترام والمحبة حتى من بعض المقربين لها، بل إن هناك بين حلفائها من يعلن عن كره سياستها، والتنديد بها، وأخذ مواقف مغايرة لها، مثلما يحدث الآن أمام الموقف الأمريكي المنحاز والداعم لإسرائيل في الحرب الإسرائيلية الفلسطينية.