عبدالوهاب الفايز
كما احتفت (جمعية مودة للاستقرار الأسري) مساء الأحد الماضي بإطلاق مشاريعها الجديدة وهي: جمعية أمان للحماية من الإيذاء، ومركز مودة للأبحاث والدراسات الإنسانية والاجتماعية، أيضاً نرى من واجبنا الاحتفاء بنجاح الجمعيات الخيرية السعودية التي أحدثت فرقاً كبيراً في المجتمع منذ انطلاقتها.
من هذه الجمعيات تأتي مودة والتي ركزت على أمور الأسرة السعودية.. بالذات أمور الطلاق وما يترتب عليه من مشاكل اجتماعية وضياع حقوق للأبناء وللمطلقات.
وهذا الموضوع من الأمور التي استقطبت اهتمامنا في الصحافة منذ منتصف التسعينيات الميلادية. لقد تعايشنا مع المعاناة التي تواجهها المطلقات لأجل الحصول على حقوق النفقة للأبناء. وفعلاً كانت رحلة معاناة تصل إلى عدة سنوات حتى يقرر القضاء الحكم، وتمضي سنوات أخرى قبل أن يتم التنفيذ. الحمدلله أننا قبل سنوات تجاوزنا هذا الأمر بقوة النظام للوفاء بالحقوق، بل تقدمنا خطوة كبيرة وهي إنشاء صندوق النفقة الذي يتولى الإنفاق على المطلقات وأبنائهن منذ نفاذ الطلاق، وبعد ذلك يتولى الصندوق تحصيل حقوقه. (صدرت موافقة مجلس الوزراء على تنظيم صندوق النفقة في عام 2017).
والصندوق هدفه الأساسي حماية الأطفال والأمهات من آثار الطلاق الاقتصادية والإنسانية، فقد يكون الأب غير قادر على النفقة، وهنا يصبح الصندوق هو الملاذ الأول الذي يتدخل بسرعة للتقليل من آثار الطلاق بالذات على الأبناء.
هذه الخطوة لتحقيق الأمان الاجتماعي كان خلفها جهود الداعمين للعمل الخيري، والأهم كان دافعه مبادرة المتطوعات في جمعية مودة، فقبل خمسة عشر عاماً بدأت جهودهن لإطلاق برنامج وطني شامل يعالج أوضاع الطلاق. هذا الجهد الخير أثمر عن أنظمة وقرارات حكومية وآليات مثل صندوق النفقة، وهذه نقلت العمل الإنساني والاجتماعي في بلادنا إلى المستويات التي نعتز ونسعد بها. وهذا الإنجاز يوضح أهمية دور القطاع الخيري السعودي في المناصرة والمناصحة وصنع السياسات الوطنية، ويؤكد أن ولي الأمر لديه الثقة الكبيرة بدور هذا القطاع، وهذا الإيمان ساعد الجمعيات الخيرية والتعاونية على إطلاق المبادرات والمشاريع النوعية في العقود الماضية.
وبإطلاق مشروعين نوعيين جديدين تنتقل جمعية مودة إلى حقبة تستهدف استثمار خبرتها في العمل الاجتماعي لأجل توسيع وتعميق جهود رعاية الأسرة السعودية ومساعدتها على تحقيق الأمان الاجتماعي والنفسي عبر الحد من مظاهر العنف. وسيكون مركز مودة للأبحاث والدراسات الإنسانية والاجتماعية الذراع الوطني الذي سوف يركز جهده لمعرفه الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى المشاكل والتحديات التي تواجه الأسرة السعودية.
ومثل هذه المراكز المتخصصة نحتاجها بشدة لمعرفة الآثار المترتبة على تطور حياتنا المعاصرة. نحتاجها لأجل حماية الأسرة ومساعدتها للوقاية من المشاكل المهددة لوجودها واستقرارها. فمع دخول المرأة بقوة لسوق العمل، سوف تبرز أمامنا المشاكل المترتبة على بيئة العمل وتحدياتها، فالمرأة تحتاج الدعم والمساعدة لتتعلم مهارات تحقيق التوازن بين متطلبات الوظيفة ومتطلبات الحياة الأسرية، وتحديات تربوية الأبناء.
الجمعيات الخيرية النسائية المتخصصة تحتاج أدوارها لتوعية الأمهات والآباء حول أساليب التعامل مع الأبناء، وكيف ينقلن لهم هوية وخصوصية المجتمع والمبادئ الإسلامية والموروث الثقافي والحضاري. نحتاج الجمعيات الخيرية المرجعية لمساعدة المجتمعات المحلية على الأساليب والآليات العملية للتعامل مع المستجدات الفكرية والاجتماعية والتكنولوجية. لدينا ظواهر اجتماعية تستحق التقصي العلمي الموضوعي مثل نمو معدل الطلاق، وارتفاع معدلات العنوسة، ولدينا ظواهر القلق والهشاشة النفسية التي تبرز بين الأجيال الجديدة، ولدينا استمرار ارتفاع التكلفة الاقتصادية المستمر للحياة وما تتطلب من تنمية لمهارات الادخار والاستثمار، وتنمية المسؤولية الدينية والأخلاقية تجاه كسب المال وإنفاقه.
أيضاً لدينا ظاهرة تستحق المتابعة المتخصصة وهي بروز حالات العنف في المجتمع. هنا الأفضل استثمار مؤسسات المجتمع الأهلي المتخصصة التي يقوم عليها الخبراء، فهذه أفضل طريقة لمواجهة التحديات الناشئة عن هذه الظاهرة. لذا سعت مودة لإطلاق (جمعية متخصصة لمناهضة العنف الأسري، تهدف إلى مواجهة العنف الأسري في المملكة وآثاره السلبية، وتطوير البرامج الوقائية والعلاجية لمواجهته والتصدي له). هذه الجمعية، طبقاً لرئيس مجلس إدارة مودة الأميرة لولوه بنت نواف بن محمد آل سعود، سوف تدعم الجهود الحكومية لمواجهة قضايا العنف الأسري عبر المشاريع المشتركة التي تقودها هيئة حقوق الإنسان، ومجلس شؤون الأسرة، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مع الوزرات والجهات ذات العلاقة، وسوف تستفيد مودة من الأنظمة والتشريعات المختلفة لمواجهة العنف الأسري.
إننا نتطلع إلى الجهود التي سوف تقدمها مودة عبر الكيانين الجديدين، الجمعية والمركز. ونقول نتطلع لأن لدينا سجلاً حافلاً لجمعية مودة. ففي مسيرتها نجد الإنجازات والجوائز المحلية والدولية، التي تعكس أهمية دور الجمعيات الخيرية بالذات في الجانب الإنساني والاجتماعي. ففي العام 2010 بادرت مودة بإنشاء تحالف خيري مكون من عدد من المؤسسات الخيرية والحكومية لدعم دراسة مشروع الإجراءات المنظمة للطلاق وما يترتب عليه للزوجة والأبناء. كما تم إطلاق مبادرة برنامج (الحاضنة القانونية للأحوال الشخصية) عام 2011م، ويتكون البرنامج من تدريب مجاني مكثف مؤلف من ساعات تدريبية متخصصة في تطوير مهارات المتدربات القانونية للتعامل مع قضايا الأحوال الشخصية. والمبادرة النوعية للجمعية كانت في عام 2012م في الرياض حيث تم افتتاح أول بيت من نوعه على في المملكة ليكون بديلاً للوضع غير الإنساني المتبع سابقاً في تنفيذ أحكام الحضانة والزيارة والرؤية بواسطة مراكز الشرطة.
كذلك أنشأت مودة في عام 2013م برنامج الدعم الاجتماعي وهو صندوق خيري تنموي يهدف إلى تقديم كافة أنواع الدعم من خدمات تنموية، اقتصادية اجتماعية ونفسية لتأهيل ودعم الحالات المحتاجة من المطلقات ومن في حكمهن من المعلقات والمهجورات وأبنائهن، ساهم الصندوق في تحسين الظروف المعيشية والبيئية السكنية والمساعدة في سد احتياج 90 % من المتقدمات لطلب الخدمة. أيضاً بادرت الجمعية في العام 2014م وبدعم عدد من شركائها بإعداد مشروع مدونة الأحوال الشخصية. وفي العام 2014م تم افتتاح أول مكتب نسائي للمساندة الحقوقية على مستوى المملكة في محكمة الأحوال الشخصية كأول ممارسة عملية منظمة للمرأة السعودية وفي القطاع العدلي في مدينة الرياض، واستطاعت مودة تقديم 94.806 خدمة حقوقية.
أيضاً في عام 2014م حصلت الجمعية على جائزتين من مؤسسة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي في مجال: المبادرات والمشاريع الحقوقية، والأبحاث والدراسات. وتم اختيار بيت مودة من قبل الجهة الاستشارية لوزارة العدل للمشاركة في المشروع التجريبي لمبادرة توفير مراكز تنفيذ الحضانة والزيارة والرؤية من خلال تطبيق النموذج المقترح للمراكز على (بيت مودة). وعلى المستوى الدولي حازت على جائزة (المؤسسات الصديقة للأسرة لعام 2020م) من جامعة الدول العربية مقابل جهودها في المساهمة في المعرفة الفنية بقضايا حماية الأسرة والمرأة والطفل والأنظمة والسياسات ذات الصلة على المستوى المحلي، وكذلك بما للجمعية من خبرة في مجال إجراء البحوث والدراسات حول قضايا الأسرة والمرأة.
نحن جميعاً نسعد بأية خطوات للنجاح في بلادنا.. بالذات نجاح القطاع الخيري.