د. محمد بن أحمد غروي
تُعَد الجالية الهندية، هي الأكبر في العالم. ويبلغ عدد الجالية في الخارج 31 مليونًا وفقًا لإحصائية الحكومة الهندية الأخيرة، فبحسب التقرير الخامس عشر للجنة وزارة الشؤون الخارجية، المقدم إلى البرلمان الهندي عام 2022، يضم الشتات أو الجالية الهندية أكثر من 18 مليون شخص من أصل هندي (person of origin (PIO و13 مليون هندي غير مقيم Non-resident Indians NRIs، أي المواطنين الهنود الذين يعيشون في الخارج، مما يجعله أكبر مجتمع خارجي على مستوى العالم.
أغرقت الجالية موطنهم الأم بتحويلات دولية قاربت 113 مليار دولار، مما جعل الهند الدولة الرائدة في العالم في استقبال الأموال والسلع التي يرسلها المهاجرون إلى وطنهم. كما يساهم الهنود بنسبة 13% من التحويلات المالية العالمية، وتبلغ التحويلات المالية التي يرسلها الهنود إلى بلدهم حوالي 3.2% من إجمالي التحويلات المالية الهندية. منذ استلام رئيس وزراء الهند السلطة عام 2014، عمل على إقامة علاقات وثيقة مع الهنود المهاجرين، الذين وصفهم بـ «سفراء الهند». وتشير بعض التحليلات إلى أن تدفق الجالية الهندية إلى الخارج أدى إلى تحويل نظرة العالم تجاه الهند بشكل إيجابي.
هناك رؤية جديدة للهند منذ تولي رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أولت المهاجرين الهنود وذوي الأصول الهندية في الخارج حيث وصف الحاكم الحالي للهند الجالية الهندية بالكنز، فهي القوة الفكرية للهند خارج الحدود، ساعيًا على كسب الأدمغة من خلال تنظيم اجتماعات لجذب وتحفيز الجالية الهندية في الخارج لإعادة التواصل مع جذورهم الهندية ولعب دور حاسم في تنمية البلاد. كما ركز مودي أيضًا على تحويل الجاليات الهندية إلى «قيمة استراتيجية» ويتوقع منهم أن يلعبوا دورًا ميسرًا في عولمة التجارة والصادرات الهندية من خلال شبكتهم العالمية وجلب الاستثمار عبر العديد من المدن الصغيرة في البلاد.
في اعتقادي أن التوافق بين القادة وصناع القرار السياسي في ذلك الإطار يشبه إلى حد كبير جاليات الشتات المهمة الأخرى في الغرب، فربط أواصر الجاليات اليهودية يمكن أبناءها وذوي الأصول الهندية أن يكونوا أصولًا استراتيجية وأداة للقوة الناعمة حيث يمكنهم الضغط لصالح الهنود ومصالح الدولة ومواقفها في البلدان التي يعيشون بها.
هناك عدد لا يُستهان به من القادة الهنود في مجال التقنية عالميًا من الرئيس التنفيذي لموقع يوتيوب العالمي نيل موهان إلى الرئيس التنفيذي لشركة جوجل ساندر بيتشاي ولاكسمان ناراسيمهان من ستاربكس، متجاوزين إدارة أصول لشركات تضاهي الناتج المحلي الإجمالي الحالي للهند. كما يدير الرؤساء التنفيذيون من أصل هندي مشاريع عملاقة عالمية تبلغ قيمتها تريليون دولار، نصفها ضمن شركات تنتمي إلى قطاع تكنولوجيا المعلومات، وخمس شركات لكل من الرعاية الصحية والصناعية.
ومن الملاحظ هيمنة الهنود على عالم التقنية وبشكل خاص في وادي السليكون، مما كان سببًا في تعزيز صورة الهند كقوة تكنولوجية ومصدرًا للموارد البشرية الجيدة. فإلى جانب الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، هناك ساتيا ناديلا المدير التنفيذي لشركة مايكروسوفت، فينود خوسلا أحد مؤسسي شركة صن ميكروسيستمز، سانجاي ميهروترا الذي يحوز حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة ماكرون للتقنية وشانتانو ناراين الرئيس التنفيذي لشركة أدوبي. صعود الهنود في الرئاسة التنفيذية لعدد كبير من الشركات التقنية يدعم رغبة الهند في أن تكون أحد أهم مراكز التقنية عالميًا، ويساهم في اتخاذ عدد من شركات التكنولوجيا الكبرى قرارًا بنقل عملياتهم إلى الهند مثل آبل وغيرها.
أعتقد أن هناك أبناء للوطن في شتى بقاع الأرض ذوي نفوذ وقوة إعلامية وأكاديمية وطبية يُشار إليهم بالبنان، بعضهم تلاقفته وسائل الإعلام ليصبح رمزًا سعوديًا وبعضهم انكفأ على ذاته ومستقبله المهني أو في غياهب المختبرات والمؤتمرات الدولية، فلماذا لا يتم استقطابهم والاستفادة من خبراتهم محليًا ودوليًا وتكوين قوة ناعمة لا تكلف إلا تواصلًا مؤسسيًا طويل المدى؟ فنفعهم لغيرهم لا يضير، لكن تبقى زكاة العلم لوطنهم الذي يفدى بترابه بالروح والدم.